الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٧١
وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون. وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون. وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون.
____________________
لعزة موحشا طلل قديم *. فإن قلت: ما الفرق بينهما من جهة المعنى؟ قلت: أحدهما الإعلام بأنه جعل فيها طرقا واسعة، والثاني بأنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثمة (محفوظا) حفظه بالإمساك بقدرته من أن يقع على الأرض ويتزلزل، أو بالشهب عن تسمع الشياطين على سكانه من الملائكة (عن آياتها) أي عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر بالشمس والقمر وسائر النيرات ومسايرها وطلوعها وغروبها على الحساب القويم والترتيب العجيب الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة، وأي جهل أعظم من جهل من أعرض عنها ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها والاعتبار بها والاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم ودبرها ونصبها هذه النصبة وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو عزت قدرته ولطف علمه. وقرئ عن آيتها على التوحيد اكتفاء بالواحدة في الدلالة على الجنس: أي هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية كالاستضاءة بقمريها والاهتداء بكواكبها وحياة الأرض والحيوان بأمطارها، وهم عن كونها آية بينة على الخالق (معرضون - كل) التنوين فيه عوض من المضاف إليه: أي كلهم (في فلك يسبحون) والضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة، جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها، وهو السبب في جمعهما بالشموس والأقمار وإلا فالشمس واحدة والقمر واحد، وإنما جعل الضمير واو العقلاء للوصف بفقعلهم وهو السباحة. فإن قلت:
الجملة ما محلها؟ قلت: محلها النصب على الحال من الشمس والقمر. فإن قلت: كيف استبد بهما دون الليل والنهار بنصب الحال عنهما؟ قلت: كما تقول رأيت زيدا وهندا متبرجة، ونحو ذلك إذا جئت بصفة يختص بها بعض ما تعلق به العامل، ومنه قوله تعالى في هذه السورة - ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة - أولا محل لها لاستئنافها.
فإن قلت: لكل واحد من القمرين فلك على حدة فكيف قيل جميعهم يسبحون في فلك؟ قلت: هذا كقولهم كساهم الأمير حلة وقلدهم سيفا: أي كل واحد منهم، أو كساهم أو قلدهم هذين الجنسين فاكتفى بما يدل على
(٥٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 566 567 568 569 570 571 572 573 574 575 576 ... » »»