الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٢٢
فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا. ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا. أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا. أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا.
____________________
نديا، وأن المؤمنين على خلاف صفتهم. والثاني أن تتصل بما يليها، والمعنى: أن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم والخذلان لاصق بهم لعلم الله بهم وبأن الألطاف لا تنفع فيهم وليسوا من أهلها، والمراد بالضلالة ما دعاهم من جهلهم وغلوهم في كفرهم إلى القول الذي قالوه ولا ينفكون عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين أو يشاهدوا الساعة ومقدماتها. فإن قلت: حتى هذه ما هي؟ قلت: هي التي تحكى بعدها الجمل، ألا ترى الجملة الشرطية واقعة بعدها وهى قوله - إذا رأوا ما يوعدون - (فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا) في مقابلة - خير مقاما وأحسن نديا - لأن مقامهم هو مكانهم ومسكنهم والنددى المجلس الجامع لوجوه قومهم وأعوانهم وأنصارهم، والجندهم هم الأنصار والأعوان (ويزيد) معطوف على موضع فليمدد لأنه واقع موقع الخبر تقديره: من كان في الضلالة مد أو يمد له الرحمن ويزيد: أي يزيد في ضلال الضال بخذلانه ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه (والباقيات الصالحات) أعمال الآخرة كلها، وقيل الصلوات، وقيل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر:
أي هي (خير ثوابا) من مفاخرات الكفار (وخير مردا) أي مرجعا وعاقبة أو منفعة من قولهم ليس لهذا الأمر مرد * وهل يرد بكأى زندا * فإن قلت: كيف قيل خير ثوابا كأن لمفاخراتهم ثوابا حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه؟ قلت: كأنه قيل ثوابهم النار على طريقة قوله: فأعتبوا بالصيلم، وقوله:
شجعاء جرتها الذميل تلوكه * أصلا إذا راح المطي غراثا وقوله * تحية بينهم ضرب وجيع * ثم بنى عليه خير ثوابا وفيه ضرب من التهكم الذين هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له عقابك النار. فإن قلت: فما وجه التفضيل في الخير كأن لمفاخرهم شركا فيه؟ قلت: هذا من وجيز كلامهم يقولون: الصيف أحر من الشتاء: أي أبلغ في حره من الشتاء في برده. لما كانت مشاهدة الأشياء ورؤيتها طريقا إلى الإحاطة بها علما وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر، والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب كأنه قال: أخبر أيضا بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقيب حديثه أولئك (أطلع الغيب) من قولهم اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه وطلع الثنية، قال جرير * لاقيت مطلع الجبال وعورا * ويقولون مر مطلعا لذلك الأمر: أي عاليا له مالكا له، ولاختيار هذه الكلمة شأن، يقول: أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار، والمعنى: أن ما ادعى أن يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الطريقين: إما علم الغيب، وإما عهد عالم الغيب، فبأيهما توصل إلى ذلك. قرأ حمزة والكسائي ولدا وهو جمع ولد كأسد في أسد أو بمعنى الولد كالعرب في العرب. وعن يحيى بن يعمر ولدا بالكسر. وقيل في العهد كلمة الشهادة. وعن قتادة: هل له عمل صالح قدمه فهو يرجو بذلك ما يقول؟ وعن الكلبي: هل عهد الله إليه أن يؤتيه ذلك؟ عن الحسن رحمه الله نزلت في الوليد بن المغيرة، والمشهور أنها في العاصي بن وائل.
قال خباب بن الأرت: كان لي عليه دين فاقتضيته فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد، قلت: لا والله لا أكفر
(٥٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 ... » »»