الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٧
وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا. ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما. وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا. أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر
____________________
وأما المشاركة في الأموال والأولاد فكل معصية يحملهم عليها في بابهما كالربا والمكاسب المحرمة والبحيرة والسائبة والإنفاق في الفسوق والإسراف ومنع الزكاة والتوصل إلى الأولاد بالسبب الحرام ودعوى ولد بغير سبب والتسمية بعبد العزى وعبد الحرث والتهويد والتنصير والحمل على الحرف الذميمة والأعمال المحظورة وغير ذلك (وعدهم) المواعيد الكاذبة من شفاعة الآلهة والكرامة على الله بالأنساب الشريفة وتسويف التوبة ومغفرة الذنوب بدونها والاتكال على الرحمة وشفاعة الرسول في الكبائر والخروج من النار بعد أن يصيروا حمما وإيثار العاجل على الآجل (إن عبادي) يريد الصالحين (ليس لك عليهم سلطان) أي لا تقدر أن تغويهم (وكفى بربك وكيلا) لهم يتوكلون به في الاستعاذة منك، ونحوه قوله - إلا عبادك منهم المخلصين - فإن قلت: كيف جاز أن يأمر الله إبليس بأن يتسلط على عباده مغويا مضلا داعيا إلى الشر صادا عن الخير. قلت: هو من الأوامر الواردة على سبيل الخذلان والتخلية كما قال للعصاة - اعملوا ما شئتم - (يزجي) يجري ويسير. والضر: خوف الغرق (ضل من تدعون إلا إياه) ذهب عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعونه في حوادثكم إلا إياه وحده فإنكم لا تذكرون سواه ولا تدعونه في ذلك الوقت ولا تعقدون برحمته رجاءكم ولا تخطرون ببالكم أن غيره يقدر على إغاثتكم أو لم يهتد لإنقاذكم أحد غيره من سائر المدعوين، ويجوز أن يراد ضل من تدعون من الآلهة عن إغاثتكم، ولكن الله وحده هو الذي ترجونه وحده على الاستثناء المنقطع (أفأمنتم) الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض. فإن قلت: بم انتصب (جانب البر)؟ قلت: بيخسف مفعولا به كالأرض في قوله - فخسفنا به وبداره الأرض - وبكم حال. والمعنى: أن يخسف جانب البر: أي يقلبه وأنتم عليه. فإن قلت: فما معنى ذكر الجانب؟ قلت: معناه أن الجوانب والجهات كلها في قدرته سواء، وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب مرصد من أسباب الهلكة ليس جانب البحر وحده مختصا بذلك، بل إن كان الغرق تغييب في جانب البحر ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف لأنه تغييب تحت التراب، كما أن الغرق تغييب تحت الماء فالبر والبحر عنده سيان يقدر في البر على نحو ما يقدر عليه في البحر، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»