الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٦
إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا. قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا. قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا. واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد
____________________
وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة " وقيل تقول العرب لكل طعام مكروه ضار ملعون. وسألت بعضهم فقال: الطعام الملعون القشب الممحوق. وعن ابن عباس: هي الكشوت التي تتلوى بالشجر يجعل في الشراب. وقيل هي الشيطان، وقيل أبو جهل. وقرئ والشجرة الملعونة بالرفع على أنها مبتدأ محذوف الخبر كأنه قيل والشجرة الملعونة في القرآن كذلك (طينا) حال إما من الموصول والعامل فيه أسجد على أأسجد له وهو طين: أي أصله أو من الراجع إليه من الصلة على أأسجد لمن كان في وقت خلقه طينا (أرأيتك) الكاف للخطاب (وهذا) مفعول به، والمعنى: أخبرني عن هذا (الذي كرمت‍) ه (علي) أي فضلته لم كرمته علي وأنا خير منه، فاختصر الكلام بحذف ذلك، ثم ابتدأ فقال (لئن أخرتني) واللام موطئة للقسم المحذوف (لأحتنكن ذريته) لأستأصلنهم بالإغواء من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلا وهو من الحنك، ومنه ما ذكر سيبويه من قولهم أحنك الشاتين: أي آكلهما. فإن قلت: من أين علم أن ذلك يتسهل له وهو من الغيب؟ قلت: إما أن سمعه من الملائكة وقد أخبرهم الله به أو خرجه من قولهم - أتجعل فيها من يفسد فيها - أو نظر إليه فتوسم في مخايله أنه خلق شهواني. وقيل قال ذلك لما عملت وسوسته في آدم، والظاهر أنه قال ذلك قبل أكل آدم من الشجرة (اذهب) ليس من الذهاب الذي هو نقيض المجئ إنما معناه: امض لشأنك الذي اخترته خذلانا وتخلية، وعقبه بذكر ما جره سوء اختياره في قوله. (فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم) كما قال موسى عليه السلام للسامري - فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس -. فإن قلت: أما كان من حق الضمير في الجزاء أن يكون على لفظ الغيبة ليرجع إلى من تبعك. قلت: بلى ولكن التقدير: فإن جهنم جزاؤهم وجزاؤك، ثم غلب المخاطب على الغائب فقيل جزاؤكم، ويجوز أن يكون للتابعين على طريق الالتفات، وانتصب (جزاء موفورا) بما في " فإن جهنم جزاؤكم " من معنى تجازون أو بإضمار تجازون أو على الحال لأن الجزاء موصوف بالموفور، والموفور الموفر يقال فر لصاحبك عرضه فرة.
استفزه استخفه والفز الخفيف (وأجلب) من الجلبة وهي الصياح. والخيل الخيالة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " يا خيل الله اركبي ". والرجل اسم جمع للراجل ونظيره الركب والصحب. وقرئ ورجلك على أن فعلا بمعنى فاعل نحو تعب وتاعب ومعناه وجمعك الرجل، وتضم جيمه أيضا فيكون مثل حدث وحدث وندس وندس وأخوات لهما يقال رجل رجل، وقرئ ورجالك ورجالك. فإن قلت: ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله.
قلت: هو كلام ورد مورد التمثيل مثلت حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع على قوم فصوت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم ويقلقهم عن مراكزهم وأجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم. وقيل بصوته بدعائه إلى الشر وخيله ورجله كل راكب وماش من أهل العبث. وقيل يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال.
(٤٥٦)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 ... » »»