الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٤٧
ترجوها فقل لهم قولا ميسورا. ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده
____________________
أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد (فقل لهم قولا ميسورا) فلا تتركهم غير مجابين إذا سألوك " وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل شيئا وليس عنده أعرض عن السائل وسكت حياء ". وقوله - ابتغاء رحمة من ربك - إما أن يتعلق بجواب الشرط مقدما عليه: أي فقل لهم قولا سهلا لينا وعدهم وعدا جميلا رحمة لهم وتطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة من ربك: أي ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم، وإما أن يتعلق بالشرط: أي وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فسمى الرزق رحمة فردهم ردا جميلا، فوضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له، فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسببا عنه، فوضع المسبب موضع السبب. ويجوز أن يكون معنى وإما تعرضن عنهم: وإن لم تنفعهم ولم ترفع خصاصتهم لعدم الاستطاعة، ولا يريد الإعراض بالوجه، كناية بالإعراض عن ذلك لأن من أبى أن يعطي أعرض بوجهه. يقال يسر الأمر وعسر مثل سعد الرجل ونحس فهو مفعول، وقيل معناه: فقل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم، كأن معناه قولا ذا ميسور وهو اليسر: أي دعاء فيه يسر. هذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف وأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير (فتقعد ملوما) فتصير ملوما عند الله لأن المسرف غير مرضي عنده وعند الناس، يقول المحتاج: أعطى فلانا وحرمني، ويقول المستغني: ما يحسن تدبير أمر المعيشة، وعند نفسك إذا احتجت فندمت على ما فعلت (محسورا) منقطعا بك لا شئ عندك من حسره السفر إذا بلغ منه وحسره بالمسألة، وعن جابر " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس أتاه صبي فقال: إن أمي تستكسيك درعا فقال: من ساعة إلى ساعة يظهر فعد إلينا، فذهب إلى أمه، فقالت له: قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل دراه ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانا، وأذن بلال وانتظر فلم يخرج للصلاة "، وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن، فجاء عباس بن مرداس وأنشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس * يفوقان جدي في مجمع وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع فقال: يا أبا بكر اقطع لسانه عني، أعطه مائة من الإبل، فنزلت. ثم سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يرهقه من الإضاقة بأن ذلك ليس لهوان منك عليه ولا لبخل به عليك، ولكن لأن مشيئته في بسط الأرزاق وقدرها تابعة للحكمة والمصلحة. ويجوز أن يريد أن البسط والقبض إنما هو من أمر الله الذي الخزائن في يده، فأما العبيد فعليهم أن يقتصدوا، ويحتمل أنه عز وعلا بسط لعباده أو قبض، فإنه يراعي أوسط الحالين لا يبلغ بالمبسوط له غاية مراده، ولا بالمقبوض عليه أقصى مكروهه فاستنوا بسنته. قتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم كانوا يئدونهن خشية الفاقة وهي الإملاق، فنهاهم الله وضمن لهم أرزاقهم. وقرئ خشية بكسر الخاء. وقرئ خطأ وهو
(٤٤٧)
مفاتيح البحث: الرزق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 ... » »»