الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٤٦
ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا. وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا. وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك
____________________
إن الكبرياء لله رب العالمين ". وقال الفقهاء: لا يذهب بأبيه إلى البيعة، وإذا بعث إليه منها ليحمله فعل، ولا يناوله الخمر ويأخذ الإناء منه إذا شربها. وعن أبي يوسف إذا أمره أن يوقد تحت قدره وفيها لحم الخنزير أوقد.
وعن حذيفة " أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه وهو في صف المشركين فقال: دعه يليه غيرك ".
وسئل الفضيل بن عياض عن بر الوالدين؟ فقال: أن لا تقوم إلى خدمتهما عن كسل. وسئل بعضهم فقال: أن لا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر شزرا إليهما، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر ولا باطن، وأن تترحم عليهما ما عاشا وتدعو لهما إذا ماتا، وتقوم بخدمة أودائهما من بعدهما، فعن النبي صلى الله عليه وسلم " إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه " (بما في نفوسكم) بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين واعتقاد ما يجب لهما من التوقير (إن تكونوا صالحين) قاصدين الصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب وعند حرج الصدر وما لا يخلو منه البشر أو لحمية الإسلام هنة تؤدي إلى أذاهما ثم تبتم إلى الله واستغفرتم منها فإن الله غفور (للأوابين) للتوابين.
وعن سعيد بن جبير: هي في البادرة تكون من الرجل إلى أبيه لا يريد بذلك إلا الخير. وعن سعيد بن المسيب:
الأواب الرجل كلما أذنب بادر بالتوبة. ويجوز أن يكون هذا عاما لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها، ويندرج تحته الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره (وآت ذا القربى حقه) وصى بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما وأن يؤتوا حقهم، وحقهم إذا كانوا محارم الأبوين والولد، وفقراء عاجزين عن الكسب وكان الرجل موسرا أن ينفق عليهم عند أبي حنيفة والشافعي لا يرى النفقة إلا على الولد والوالدين فحسب، وإن كانوا مياسير أو لم يكونوا محارم كأبناء العم فحقهم صلتهم بالموادة والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة على السراء والضراء والمعاضدة ونحو ذلك (والمسكين وابن السبيل) يعني وآت هؤلاء حقهم من الزكاة، وهذا دليل على أن المراد بما يؤتى ذوو القربة من الحق هو تعهدهم بالمال. وقيل أراد بذي القربى أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم. التبذير: تفريق المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإسراف، وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة وتذكر ذلك في أشعارها، فأمر الله بالنفقة في وجوهها مما يقرب منه ويزلف وعن عبد الله: هو إنفاق المال في غير حقه. وعن مجاهد: لو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا. وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر، فقال له صاحبه: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير. وعن عبد الله بن عمرو " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أو في الوضوء سرف؟ قال:
نعم وإن كنت على نهر جار " (إخوان الشياطين) أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمة لأنه لا شر من الشيطان، أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد (وكان الشيطان لربه كفورا) فما ينبغي أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله. وقرأ الحسن إخوان الشيطان وإن
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»