الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٤٠
وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما. ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا. وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلنا تفصيلا. وكل إنسان ألزمناه طائره
____________________
المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك. فإن قلت: علام عطف (وأن الذين لا يؤمنون). قلت: على أن لهم أجرا كبيرا على معنى أنه بشر المؤمنين ببشارتين اثنتين بثوابهم وبعقاب أعدائهم، ويجوز أن يراد: ويخبر بأن الذين لا يؤمنون معذبون: أي ويدعو الله غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله كما يدعوه لهم بالخير كقوله - ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير - (وكان الإنسان عجولا) يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله لا يتأنى فيه تأني المتبصر، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه دفع إلى سودء بنت زمعة أسيرا، فأقبل يئن بالليل فقالت له: ما لك تئن؟ فشكا ألم القد، فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم دعا به فأعلم بشأنه، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اقطع يديها، فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة وأن يقطع الله يديها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني سألت الله أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة لأني بشر أغضب كما يغضب البشر، فلترد سودة يديها " ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر وأنه يدعو بالعذاب استزاء ويستعجل به كما يدعو بالخير إذا مسته الشدة، وكان الإنسان عجولا: يعني أن العذاب آتية لا محالة فما هذا الاستعجال؟ وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو النضر بن الحرث قال - اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك - الآية، فأجيب له فضربت عنقه صبرا. فيه وجهان: أحدهما أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود: أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة. والثاني أن يراد: وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين، يريد الشمس والقمر، فمحونا آية الليل: أي جعلنا الليل ممحو الضوء مطموسة مظلما لا يستبان فيه شئ كما لا يستبان ما في اللوح الممحو وجعلنا النهار مبصرا: أي تبصر فيه الأشياء وتستبان، أو فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم تخلق لها شعاعا كشعاع الشمس فترى به الأشياء رؤية بينة، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شئ (لتبتغوا فضلا من ربكم) لتتوصلوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم والتصرف في معايشكم (ولتعلموا) باختلاف الجديدين (عدد السنين) (و) جنس (الحساب) وما تحتاجون إليه منه، ولولا ذلك لما علم أحد حسبان الأوقات ولتعطلت الأمور (وكل شئ) مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم (فصلناه) بيناه بيانا غير ملتبس فأرحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا (طائره) عمله وقد حققنا القول فيه في سورة النمل. وعن ابن عيينة: هو من قولك طار له سهم إذا خرج: يعني ألزمناه ما طار من عمله، والمعنى: أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا يفك عنه، ومنه مثل
(٤٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»