الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٣٨
ألا يتخذوا من دوني وكيلا. ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا. فإذا جاء وعد أولاهما
____________________
حسب ذلك (ألا تتخذوا) قرئ بالياء على لئلا يتخذوا وبالتاء على أي لا تتخذوا كقولك: كتبت إليه أن افعل كذا (وكيلا) ربا تكلون إليه أموركم (ذرية من حملنا) نصب على الاختصاص، وقيل على النداء فيمن قرأ لا تتخذوا بالتاء على النهي يعني قلنا لهم: لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا (مع نوح) وقد يجعل وكيلا ذرية من حملنا مفعولي تتخذوا: أي لا تجعلوهم أربابا كقوله - ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا - ومن ذرية المحمولين مع نوح وعيسى وعزير عليهم السلام. وقرئ ذرية من حملنا بالرفع بدلا من واو تتخذوا.
وقرأ زيد بن ثابت ذرية بكسر الذال، وروي عنه أنه قد فسرها بولد الولد ذكرهم الله النعمة في إنجاء آبائهم من الغرق (إنه) إن نوحا (كان عبدا شكروا) قيل كان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء أجاعني، وإذا شرب قال: الحمد لله سقاني ولو شاء أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني، وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حذاني ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية ولو شاء حبسه. وروي أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به فإن وجده محتاجا آثره به. فإن قلت: قوله - إنه كان عبدا شكورا - ما وجه ملائمته لما قبله؟ قلت: كأنه قيل:
لا تتخذوا من دوني وكيلا ولا تشركوا بي لأن نوحا عليه السلام كان عبدا شكورا وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم، ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح، فهم متصلون به فاستأهلوا لذلك الاختصاص. ويجوز أن يقال ذلك عند ذكره على سبيل الاستطراد (وقضينا إلى بني إسرائيل) وأوحينا إليهم وحيا مقتضيا: أي مقطوعا مبتوتا بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة، ويعلون: أي يتعظمون ويبغون (في الكتاب) في التوراة، و (لتفسدن) جواب قسم محذوف، ويجوز أن يجري القضاء المبتوت مجرى القسم، فيكون لتفسدن جوابا له كأنه قال وأقسمنا وقرئ لتفسدن على البناء للمفعول ولتفسدن بفتح التاء من فسد (مرتين) أولاهما قتل زكريا وحبس أرميا حين أنذرهم سخط الله والآخرة قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى بن مريم (عبادا لنا) وقرئ عبيدا لنا وأكثر ما يقال عباد الله وعبيد الناس سنحاريب وجنوده، وقيل بختنصر. وعن ابن عباس: جالوت قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة وخربوا المسجد وسبوا منهم سبعين ألفا. فإن قلت: كيف جاز أن يبعث الله الكفرة على ذلك ويسلطهم عليه؟ قلت: معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم على أن الله عز وعلا أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه فهو كقوله تعالى - وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون - وكقول الداعي وخالف بين كلمهم، وأسند الجوس وهو التردد خلال الديار بالفساد إليهم، فتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم. وقرأ طلحة فحاسوا بالحاء. وقرئ فجوسوا وخلل الديار. فإن قلت: ما معنى (وعد أولاهما)؟ قلت: معناه وعد عقاب أولاهما
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»