الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٣٧
باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل
____________________
البيت بين النائم واليقظان إذا أتاني جبريل عليه السلام بالبراق ". وقيل أسري به من دار أم هانئ بنت أبي طالب.
والمراد بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به. وعن ابن عباس: الحرم كله مسجد. وروي أنه كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسري به ورجع من ليلته وقص القصة على أم هانئ وقال " مثل لي النبيون فصليت بهم، وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانئ بثوبه، فقال ما لك؟ قالت: أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم، قال: وإن كذبوني، فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث الإسراء، فقال أبو جهل: يا معشر بني كعب بن لؤي هلم فحدثهم، فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وإنكارا، وارتد ناس ممن كان آمن به، وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: إن قال ذلك لقد صدق، قالوا: أتصدقه على ذلك؟ قال: إني لأصدقه على أبعد من ذلك، فمسي الصديق " وفيهم من سافر إلى ماثم فاستنعتوه المسجد فجلي له بيت المقدس فطفق ينظر إليه وينعته لهم، فقالوا: أما النعت فقد أصاب، فقالوا: أخبرنا عن غيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال: تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية فقال قائل منهم: هذه والله الشمس قد شرقت، فقال آخر: وهذه والله العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد، ثم لم يؤمنوا وقالوا: ما هذا إلا سحر مبين، وقد عرج به إلى السماء في تلك الليلة، وكان العروج به من بيت المقدس، وأخبر قريشا أيضا بما رأى في السماء من العجائب، وأنه لقي الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى. واختلفوا في وقت الإسراء، فقيل كان قبل الهجرة بسنة. وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعث. واختلف في أنه كان في اليقظة أم في المنام، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: والله ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عرج بروحه. وعن معاوية: إنما عرج بروحه.
وعن الحسن: كان في المنام رؤيا رآها. وأكثر الأقاويل بخلاف ذلك. والمسجد الأقصى: بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد (باركنا حوله) يريد بركات الدين والدنيا لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى ومهبط الوحي، هو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة. وقرأ الحسن ليريه بالياء، ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم فقيل أسرى به ثم باركنا ليريه على قراءة الحسن ثم من آياتنا ثم إنه هو، وهي طريقة الالتفات التي هي من طرق البلاغة (إنه هو السميع) لأقوال محمد (البصير) بأفعاله العالم بتهذيبها وخلوصها فيكرمه ويقربه على
(٤٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 ... » »»