الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٣٣
لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم. وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم. إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا
____________________
ألسنتكم الكذب: أي لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم لا لأجل حجة وبينة، ولكن قول ساذج ودعوى فارغة. فإن قلت: ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه، فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورة كقولهم وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر. وقرئ الكذب بالجر صفة لما المصدرية كأنه قيل لوصفها الكذب بمعنى الكاذب كقوله تعالى - بدم كذب - والمراد بالوصف وصفها البهائم بالحل والحرمة. وقرئ الكذب جمع كذوب بالرفع صفة للألسنة وبالنصب على الشتم أو بمعنى الكلم الكواذب، أو هو جمع الكذاب من قولك كذب كذابا ذكره ابن جني. واللام في (لتفتروا) من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض (متاع قليل) خبر مبتدأ محذوف أي منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعقابها عظيم (ما قصصنا عليك) يعني في سورة الأنعام (بجهالة) في موضع الحال أي عملوا السوء جاهلين غير عارفين بالله وبعقابه، أو غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم (من بعدها) من بعد التوبة (كان أمة) فيه وجهان: أحدهما أنه كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير كقوله:
ليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد وعن مجاهد كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار. والثاني أن يكون أمة بمعنى مأموم: أي يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى مؤتم به كالرحلة والنخبة وما أشبه ذلك مما جاء من فعلة بمعنى مفعول فيكون مثل قوله - إني جاعلك للناس إماما - وروى الشعبي عن فروة بن نوفل الأشجعي عن ابن مسعود أنه قال: إن معاذا كان أمة قانتا لله، فقلت: غلطت إنما هو إبراهيم، فقال: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله ورسوله، وكان معاذ كذلك. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال حين قيل له ألا تستخلف: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، ولو كان معاذا حيا لاستخلفته، ولو كان سالم حيا لاستخلفته، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أبو عبيدة أمين هذه الأمة، ومعاذ أمة قانت لله ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون، وسالم شديد الحب
(٤٣٣)
مفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»