الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٢
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ.
وكذلك نصرف الآيات وليقولوا دارست ولنبينه لقوم يعلمون. اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو
____________________
عن إدراكه، وهذا من باب اللف (قد جاءكم بصائر من ربكم) هو وارد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله - وما أنا عليكم بحفيظ - والبصيرة نور القلب الذي به يستبصر، كما أن البصر نور العين الذي به تبصر أي جاءكم من الوحي، والتنبيه على ما يجوز على الله وما لا يجوز ما هو للقلوب كالبصائر (فمن أبصر) الحق وآمن (فلنفسه) أبصر وإياها نفع (ومن عمى) عنه فعلى نفسه عمى وإياها ضر بالعمى (وما أنا عليكم بحفيظ) أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما أنا منذر والله هو الحفيظ عليكم (وليقولوا) جوابه محذوف تقديره: وليقولوا درست نصرفها. ومعنى (درست) قرأت وتعلمت، وقرئ دارست: أي دارست العلماء، ودرست بمعنى قدمت هذه الآيات وعفت كما قالوا - أساطير الأولين - ودرست بضم الراء مبالغة في درست: أي اشتد دروسها، ودرست على البناء للمفعول بمعنى قرئت أو عفيت ودارست، وفسروها بدارست اليهود محمدا صلى الله عليه وسلم، وجاز الإضمار لأن الشهرة بالدراسة كانت لليهود عندهم، ويجوز أن يكون الفعل للآيات وهو لأهلها: أي دارس أهل الآيات وحملتها محمدا وهم أهل الكتاب، ودرس: أي درس محمد، ودارسات على هي دارسات: أي قديمات أو ذات دروس كعيشة راضية. فإن قلت: أي فرق بين اللامين في ليقولوا ولنبينه؟ قلت: الفرق بينهما أن الأولى مجاز والثانية حقيقة، وذلك أن الآيات صرفت للتبيين ولم تصرف ليقولوا دارست، ولكن لأنه حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل للتبيين شبه به فسيق مساقه، وقيل ليقولوا كما قيل لنبينه. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله (ولنبينه)؟ قلت: إلى الآيات لأنها في معنى القرآن كأنه قيل: وكذلك نصرف القرآن، أو إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر لكونه معلوما، أو إلى التبيين الذي هو مصدر الفعل كقولهم ضربته زيدا، ويجوز أن يراد فيمن قرأ درست ودارست درست الكتاب ودارسته فيرجع إلى الكتاب المقدر (لا إله إلا هو) اعتراض أكد به
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»