الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٦
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون. ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون.
____________________
النضر بن الحرث والمستهزئون (ولو ترى) جوابه محذوف: أي لرأيت أمرا عظيما (إذ الظالمون) يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة فتكون اللام للعهد، ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه هؤلاء لاشتماله. وغمرات الموت:
شدائده وسكراته، وأصل الغمرة ما يغمر من الماء فاستعيرت للشدة الغالبة (باسطوا أيديهم) يبسطون إليهم أيديهم يقولون هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم، وهذه عبارة عن العنف في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال، وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلط يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله ويقول له: اخرج إلي ما لي عليك الساعة، ولا أريم مكاني حتى أنزعه من أحداقك. وقيل معناه باسطوا أيديهم عليهم بالعذاب (أخرجوا أنفسكم) خلصوها من أيدينا: أي لا تقدرون على الخلاص (اليوم تجزون) يجوز أن يريدوا وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة النزع، وأن يريدوا الوقت الممتد المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ والقيامة. والهون: الهوان الشديد، وإضافة العذاب إليه كقولك رجل سوء:
يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه (عن آياته تستكبرون) فلا تؤمنون بها (فرادى) منفردين عن أموالكم وأولادكم وما حرصتم عليه وآثرتموه من دنياكم وعن أوثانكم التي زعمتم أنها شفعاؤكم وشركاء لله (كما خلقناكم أول مرة) على الهيئة التي ولدتم عليها في الانفراد (وتركتم ما خولناكم) ما تفضلنا به عليكم في الدنيا فشغلتم به عن الآخرة (وراء ظهوركم) لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيرا ولا قدمتموه لأنفسكم (فيكم شركاء) في استعبادكم، لأنهم حين دعوهم آلهة وعبدوها فقد جعلوها لله شركاء فيهم وفي استعبادهم. وقرئ فرادى بالتنوين وفراد مثل ثلاث وفردى نحو سكرى. فإن قلت: كما خلقناكم في أي محل هو؟ قلت: في محل النصب صفة لمصدر جئتمونا: أي مجيئا مثل خلقنا لكم (تقطع بينكم) وقع التقطع بينكم كما تقول جمع بين الشيئين تريد أوقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل، ومن رفع فقد أسند الفعل إلى الظرف كما تقول: قوتل خلفكم وأمامكم. وفي قراءة
(٣٦)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»