الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٩٧
ما كانوا يكسبون. وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل. إن ربك هو الخلاق العليم. ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم. لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم
____________________
اللصوص ومن الأعداء وحوادث الدهر أو آمنين من عذاب الله يحسبون أن الجبال تحميهم منه (ما كانوا يكسبون) من بناء البيوت الوثيقة والأموال والعدد (إلا بالحق) إلا خلقا ملتبسا بالحق والحكمة لا باطلا وعبثا، أو بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال (وإن الساعة لآتية) وإن الله ينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم، فإنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا لذلك (فاصفح) فأعرض عنهم واحتمل ما تلقى منهم إعراضا جميلا بحلم وإغضاء. وقيل هو منسوخ بآية السيف. ويجوز أن يراد به المخالقة فلا يكون منسوخا (إن ربك هو الخلاق) الذي خلقك وخلقهم، وهو (العليم) بحالك وحالهم فلا يخفى على ما يجري بينكم وهو يحكم بينكم، أو إن ربك هو الذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح إلى أن يكون السيف أصلح. وفي مصحف أبي وعثمان إن ربك هو الخالق، وهو يصلح للقليل والكثير والخلاق الكثير لا غير كقولك قطع الثياب وقطع الثوب والثياب (سبعا) سبع آيات وهي الفاتحة أو سبع سور وهو الطوال. واختلف في السابعة فقيل الأنفال وبراءة لأنهما في حكم سورة واحدة ولذلك لم يفصل بينهما بآية التسمية. وقيل سورة يونس، وقيل هي آل حم أو سبع صحائف وهي الأسباع، و (المثاني) من التثنية وهي التكرير، لأن الفاتحة مما تكرر قراءتها في الصلاة وغيرها، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله الواحد مثناة أو مثنية صفة للآية، وأما السور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك، ولما فيها من الثناء كأنها تثني على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى. ومن إما للبيان أو للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطوال، وللبيان إذا أردت الأسباع، ويجوز أن يكون كتب الله كلها مثاني لأنها تثني عليه، ولما فيها من المواعظ المكررة ويكون القرآن بعضها. فإن قلت: كيف صح عطف القرآن العظيم على السبع وهل هو إلا عطف الشئ على نفسه؟ قلت: إذا عني بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل، ألا ترى إلى قوله - بما أوحينا إليك هذا القرآن - يعني سورة يوسف، وإذا عنيت الأسباع فالمعنى: ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم، أي الجامع لهذين النعتين وهو الثناء أو التثنية والعظم: أي لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه مثمن له (إلى ما متعنا به أزواجا منهم) أصنافا من الكفار.
فإن قلت: كيف وصل هذا بما قبله. قلت: يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة ضئيلة وهي القرآن العظيم، فعليك أن تستغني به، ولا تمدن عينيك إلى
(٣٩٧)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»