والأنعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن
____________________
وما لا بد منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وجر أثقاله وسائر حاجاته وخلق ما لا يعلمون من أصناف خلائقه، ومثله متعال عن أن يشرك به غيره. وقرئ تشركون بالتاء والياء (فإذا هو خصيم مبين) فيه معنيان: أحدهما فإذا هو منطيق مجادل عن نفسه مكافح للخصوم مبين للحجة بعد ما كان نطفة من مني جمادا لا حس به ولا حركة دلالة على قدرته. والثاني فإذا هو خصيم لربه منكر على خالقه قائل - من يحيي العظام وهي رميم - وصفا للإنسان بالإفراط في الوقاحة والجهل والتمادي في كفران النعمة. وقيل نزلت في أبي بن خلف الجمحي حين جاء بالعظم الرميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رم؟ (الأنعام) الأزواج الثمانية وأكثر ما تقع على الإبل وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله - والقمر قدرناه - ويجوز أن يعطف على الإنسان:
أي خلق الإنسان والأنعام، ثم قال (خلقها لكم) أي ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان. والدف ء اسم ما يدفأ به، كما أن المل ء اسم ما يملأ به، وهو الدفاء من لباس معمول من صوب أو وبر أو شعر. وقرئ دف بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الفاء (ومنافع) هي نسلها ودرها وغير ذلك. فإن قلت: تقديم الظرف في قوله (ومنها تأكلون) مؤذن بالاختصاص وقد يؤكل من غيرها. قلت: الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم، وأما الأكل من غيرها من الدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتد به وكالجاري مجرى التفكه ويحتمل أن طعمتكم منها لأنكم تحرثون بالبقر، فالحب والثمار التي تأكلونها منها، وتكتسبون بإكراء الإبل وتبيعون نتاجها وألبانها وجلودها. من الله بالتجمل بها كما من بالانتفاع بها لأنه من أغراض أصحاب المواشي بل هو من معاظمها، لأن الرعيان إذا روحوها بالعشي وسرحوها بالغداة فزينت بإراحتها وتسريحها الأفنية وتجاوب فيها الثغاء والرغاء أنست أهلها وفرحت أربابها وأجلتهم في عيون الناظرين إليها وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس، ونحوه - لتركبوها وزينة - يواري سوآتكم وريشا -. فإن قلت: لم قدمت الإراحة على التسريح؟ قلت: لأن الجمال في الإراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع ثم أوت إلى الحظائر حاضرة لأهلها. وقرأ عكرمة حينا تريحون وحينا تسرحون، على أن تريحون وتسرحون وصف للحين، والمعنى: تريحون فيه وتسرحون فيه كقوله تعالى - يوما لا يجزي والد -. وقرئ بشق الأنفس بكسر الشين وفتحها، وقيل هما لغتان في معنى المشقة، وبينهما فرق وهو أن المفتوح مصدر شق الأمر عليه شقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع، وأما الشق فالنصب كأنه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد. فإن قلت: ما معنى قوله (لم تكونوا بالغيه) كأنهم كانوا
أي خلق الإنسان والأنعام، ثم قال (خلقها لكم) أي ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان. والدف ء اسم ما يدفأ به، كما أن المل ء اسم ما يملأ به، وهو الدفاء من لباس معمول من صوب أو وبر أو شعر. وقرئ دف بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الفاء (ومنافع) هي نسلها ودرها وغير ذلك. فإن قلت: تقديم الظرف في قوله (ومنها تأكلون) مؤذن بالاختصاص وقد يؤكل من غيرها. قلت: الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم، وأما الأكل من غيرها من الدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتد به وكالجاري مجرى التفكه ويحتمل أن طعمتكم منها لأنكم تحرثون بالبقر، فالحب والثمار التي تأكلونها منها، وتكتسبون بإكراء الإبل وتبيعون نتاجها وألبانها وجلودها. من الله بالتجمل بها كما من بالانتفاع بها لأنه من أغراض أصحاب المواشي بل هو من معاظمها، لأن الرعيان إذا روحوها بالعشي وسرحوها بالغداة فزينت بإراحتها وتسريحها الأفنية وتجاوب فيها الثغاء والرغاء أنست أهلها وفرحت أربابها وأجلتهم في عيون الناظرين إليها وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس، ونحوه - لتركبوها وزينة - يواري سوآتكم وريشا -. فإن قلت: لم قدمت الإراحة على التسريح؟ قلت: لأن الجمال في الإراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع ثم أوت إلى الحظائر حاضرة لأهلها. وقرأ عكرمة حينا تريحون وحينا تسرحون، على أن تريحون وتسرحون وصف للحين، والمعنى: تريحون فيه وتسرحون فيه كقوله تعالى - يوما لا يجزي والد -. وقرئ بشق الأنفس بكسر الشين وفتحها، وقيل هما لغتان في معنى المشقة، وبينهما فرق وهو أن المفتوح مصدر شق الأمر عليه شقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع، وأما الشق فالنصب كأنه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد. فإن قلت: ما معنى قوله (لم تكونوا بالغيه) كأنهم كانوا