الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٧٠
وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم. وهى تجرى بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم
____________________
فلا تكون كلاما برأسه ولكن فضله من فضلات الكلام الأول، وانتصاب هذه الحال عن ضمير الفلك كأنه قيل:
اركبوا فيها مجراة ومرساة بسم الله، بمعنى التقدير كقوله تعالى - ادخلوها خالدين - (إن ربى لغفور رحيم) لولا مغفرته لذنوبكم ورحمته إياكم لما نجاكم. فإن قلت: بم اتصل قوله (وهى تجرى بهم)؟ قلت: بمحذوف دل عليه اركبوا فيها بسم الله كأنه قيل: فركبوا فيها يقولون بسم الله وهى تجرى بهم: أي تجرى وهم فيها (في موج كالجبال) يريد موج الطوفان شبه كل موجة منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها. فإن قلت: الموج ما يرتفع فوق الماء عند اضطرابه وزخيره وكان الماء قد التقى وطبق ما بين السماء والأرض وكانت الفلك تجرى في جوف الماء كما تسبح السمكة، فما معنى جريها في الموج؟ قلت: كان ذلك قبل التطبيق وقبل أن يغمر الطوفان الجبال، ألا ترى إلى قول ابنه - سآوي إلى جبل يعصمني من الماء - قيل كان اسم ابنه كنعان، وقيل يام، وقرأ علي رضي الله عنه ابنها والضمير لامرأته. وقرأ محمد بن علي وعروة بن الزبير ابنه بفتح الهاء يريدان ابنها، فاكتفيا بالفتحة عن الألف، وبه ينصر مذهب الحسن. قال قتادة: سألته فقال: والله ما كان ابنه، فقلت إن الله حكى عنه - إن ابني من أهلي - وأنت تقول لم يكن ابنه وأهل الكتاب لا يختلفون في أنه كان ابنه، فقال: ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب واستدل بقوله - من أهلي - ولم يقل منى. ولنسبته إلى أمه وجهان: أحدهما أن يكون ربيبا له كعمر ابن أبي سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون لغير رشدة، وهذه غضاضة عصمت منها الأنبياء عليهم السلام. وقرأ السدى: ونادى نوح ابناه، على الندبة والترثي أي قال يا ابناه. والمعزل مفعل من عزله عنه إذا نحاه وأبعده: يعنى وكان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن مركب المؤمنين. وقيل كان في معزل عن دين أبيه (يا بني) قرئ بكسر الياء اقتصارا عليه من ياء الإضافة، وبالفتح اقتصارا عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك يا بنيا، وسقطت الياء والألف لالتقاء الساكنين لأن الراء بعدهما ساكنة (إلا من رحم) إلا الراحم وهو الله تعالى، أو لا عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم الله: أي إلا مكان من رحم الله من المؤمنين، وكان لهم غفورا
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»