الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٧٢
ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين.
قال يا نوح إنه ليس من أهلك
____________________
مكون قاهر، وإن فاعلها فاعل واحد لا يشارك في أفعاله، فلا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره - يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي - ولا أن يقضى ذلك الأمر الهائل غيره، ولا أن تستوى السفينة على متن الجودي وتستقر عليه إلا بتسويته وإقراره، ولما ذكرنا من المعاني والنكت استفصح علماء البيان هذه الآية ورقصوا لها رؤوسهم، لا لتجانس الكلمتين وهما قوله - ابلعي، واقلعي - وذلك وإن كان لا يخلى الكلام من حسن فهو كغير الملتفت إليه بإزاء تلك المحاسن التي هي اللب وما عداها قشور. وعن قتادة: استقلت بهم السفينة لعشر خلون من رجب، وكانت في الماء خمسين ومائة يوم، واستقرت بهم على الجودي شهرا وهبط بهم يوم عاشوراء. وروى أنها مرت بالبيت فطافت به سبعا وقد أعتقه الله من الغرق. وروى أن نوحا صام يوم الهبوط وأمر من معه فصاموا شكرا لله تعالى. نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله - رب - مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله، فإن قلت: فإذا كان النداء هو قوله - رب - فكيف عطف قال رب على نادى بالفاء؟ قلت: أريد بالنداء إرادة النداء، ولو أريد النداء نفسه فجاء كما جاء قوله - إذ نادى ربه نداء خفيا - قال رب بغير فاء (إن ابني من أهلي) أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه، أو كان ربيبا له فهو بعض أهله (وإن وعدك الحق) وإن كان وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لاشك في إنجازه والوفاء به وقد وعدتني أن تنجى أهلي فما بال ولدى (وأنت أحكم الحاكمين) أي أعلم الحكام وأعدلهم، لأنه لافضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل، ورب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمانك قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر. ويجوز أن يكون من الحكمة على أن يبنى من الحكمة حاكم بمعنى النسبة، كما قيل دارع من الدرع، وحائض وطالق على مذهب الخليل
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»