الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٦٤
أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون. لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون. مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين. أن لا تعبدوا إلا الله
____________________
عثر عليه فيوعوع به على أهل العدل كأنه لم يسمع الناس يقولون في كل لسان: هذا كلام لا أستطيع أن أسمعه، وهذا مما يمجه سمعي، ويحتمل أن يريد بقوله - وما كان لهم من دون الله من أولياء - أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون الله وولايتها ليست بشئ فما كان لهم في الحقيقة من أولياء ثم بين نفى كونهم أولياء بقوله - ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون - فكيف يصلحون للولاية، وقوله - يضاعف لهم العذاب - اعتراض بوعيد (خسروا أنفسهم) اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله فكان خسرانهم في تجارتهم مالا خسران أعظم منه، وهو أنهم خسروا أنفسهم (وضل عنهم) وبطل عنهم وضاع ما اشتروه وهو (ما كانوا يفترون) من الآلهة وشفاعتها (لا جرم) فسر في مكان آخر (هم الأخسرون) لا ترى أحدا أبين خسرانا منهم (وأخبتوا إلى ربهم) واطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع من الخبت وهى الأرض المطمئنة، ومنه قولهم للشئ الدنى: الخبيث قال:
ينفع الطيب القليل من الرز * ق ولا ينفع الكثير الخبيث وقيل التاء فيه بدل من الثاء، شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وفريق المؤمنين بالبصير والسميع، وهو من اللف والطباق وفيه معنيان: أن يشبه الفريق تشبيهين اثنين كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب وأن يشبه بالذي جمع بين العمى والصمم أو الذي جمع بين البصر والسمع، على أن تكون الواو في والأصم وفى والسميع لعطف الصفة على الصفة كقوله * الصابح فالغانم فالآيب * (هل يستويان) يعنى الفريقين (مثلا) تشبيها: أي أرسلنا نوحا بأني لكم نذير ومعناه: أرسلناه ملتبسا بهذا الكلام وهو قوله (إني لكم نذير مبين) بالكسر فلما اتصل به الجار فتح كما فتح في كأن، والمعنى على الكسر وهو قولك: إن زيدا كالأسد. وقرئ بالكسر على إرادة القول، (ألا تعبدوا) بدل من إني لكم نذير: أي أرسلناه بأن لا تعبدوا (إلا الله) أو تكون أن
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»