الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٦٠
أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين. ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه، أيوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عنى إنه لفرح فخور إلا الذين
____________________
فإن قلت: كيف قيل (أيكم أحسن عملا) وأعمال المؤمنين هي التي تتفاوت إلى حسن وأحسن، فأما أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتها إلى حسن وقبيح؟ قلت: الذين هم أحسن عملا هم المتقون، وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو غرض الله من عبادة، فخصهم بالذكر واطرح ذكر من وراءهم تشريفا لهم وتنبيها على مكانهم منه، وليكون ذلك لطفا للسامعين وترغيبا في حيازة فضلهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ليبلوكم أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله أسرع في طاعة الله). وقرئ ولئن قلت أنكم مبعوثون بفتح الهمزة، ووجهه أن يكون من قولهم: ائت السوق عنك تشترى لنا لحما، وأنك تشترى بمعنى علك: أي ولئن قلت لهم لعلكم مبعوثون بمعنى توقعوا بعثكم وظنوه ولا تبتوا القول بإنكاره لقالوا (إن هذا إلا سحر مبين) باتين القول ببطلانه، ويجوز أن تضمن قلت معنى ذكرت، ومعنى قولهم إن هذا إلا سحر مبين أن السحر أمر باطل وأن بطلانه كبطلان السحر تشبيها له به، أو أشاروا بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث، فإذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره. وقرئ إن هذا إلا سحر، يريدون الرسول والسحر كاذب مبطل (العذاب) عذاب الآخرة. وقيل عذاب يوم بدر. وعن ابن عباس: قيل جبريل المستهزئين (إلى أمة) إلى جماعة من الأوقات (ما يحسبه) ما يمنعه من النزول استعجالا له على وجه التكذيب والاستهزاء، و (يوم يأتيهم) منصوب بخبر ليس ويستدل به من يستجيز تقديم خبر ليس على ليس، وذلك أنه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها، إذ المعمول تابع للعامل فلا يقع إلا حيث يقع العامل (وحاق بهم) وأحاط بهم (ما كانوا به يستهزئون) العذاب الذي كانوا به يستعجلون، وإنما وضع يستهزئون موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان على جهة الاستهزاء، والمعنى: ويحيق بهم إلا أنه جاء على عادة الله في إخباره (الإنسان) للجنس (رحمة) نعمة من صحة أو من وجدة (ثم نزعناها منه) ثم سلبناه تلك النعمة (إنه ليئوس) شديد اليأس من أن تعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة، قاطع رجاءة من سعة فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه ولا استرجاع (كفور) عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله نساء له (ذهب السيئات عنى) أي المصائب التي ساءتني (إنه لفرح) أشر بطر (فخور) على الناس بما أذاقه الله من نعمائه، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر (إلا الذين) آمنوا فإن عادتهم إن نالتهم رحمة أن يشكروا، وإن زالت عنهم نعمة أن يصبروا. كانوا يقترحون عليه آيات تعنتا لا استرشادا، لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم، ومن اقتراحاتهم - لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك - وكانوا لا يعتدون
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»