____________________
قلت: قد سوغ سيبويه أن توصل أن بالأمر والنهى وشبه ذلك بقولهم: أنت الذي تفعل على الخطاب، لأن الغرض وصلها بما تكون معه في معنى المصدر، والأمر والنهى دالان على المصدر دلالة غيرها من الأفعال. أقم وجهك استقم إليه ولا تلتفت يمينا ولا شمالا و (حنيفا) حال من الدين أو من الوجه (فإن قلت) معناه فإن دعوت من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فكنى عنه بالفعل إيجازا (فإنك إذا من الظالمين) إذا جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر، كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان وجعل من الظالمين لأنه لا ظلم أعظم من الشرك - إن الشرك لظلم عظيم -. أتبع النهى عن عبادة الأوثان ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر أن الله عز وجل هو الضار والنافع، الذي إن أصابك بضر لم يقدر على كشفه إلا هو وحده دون كل أحد، فكيف بالجماد الذي لا شعور به، وكذلك إن أرادك بخير لم يرد أحد ما يريده بك من فضله وإحسانه، فكيف بالأوثان، فهو الحقيق إذا بأن يتوجه إليه العبادة دونها وهو أبلغ من قوله - إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته -.
فإن قلت: لم ذكر المس في أحدهما والإرادة في الثاني؟ قلت: كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعا الإرادة والإصابة في كل واحد من الضر والخير، وأنه لا راد لما يريده منهما ولا مزيل لما يصيب به منهما، فاوجز الكلام بأن ذكر المس وهو الإصابة في أحدهما والإرادة في الآخر ليدل بما ذكر على ما ترك، على أنه قد ذكر الإصابة بالخير في قوله تعالى (يصيب به من يشاء من عباده) والمراد بالمشيئة مشيئة المصلحة (قد جاءكم الحق) فلم يبق لكم عذر ولا على الله حجة، فمن اختار الهدى واتباع الحق فما نفع باختياره إلا نفسه، ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه، واللام وعلى دلا على معنى النفع والضر. وكل إليهم الأمر بعد إبانة الحق وإزاحة العلل، وفيه حث على إيثار الهدى واطراح الضلال مع ذلك (وما أنا عليكم بوكيل) بحفيظ موكول إلى أمركم وحملكم على ما أريد، (إنما أنا بشير ونذير واصبر على دعوتهم واحتمال أذاهم وإعراضهم (حتى يحكم الله) لك بالنصرة عليهم والغلبة، وروى (أنها لما نزلت جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال: إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني) يعنى أنى أمرت في هذه الآية بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت، فاصبروا أنتم على ما يسومكم الأمراء الجورة، قال أنس: فلم نصبر. وروى أن أبا قتادة تخلف عن تلقى معاوية حين قدم المدينة وقد تلقته الأنصار،
فإن قلت: لم ذكر المس في أحدهما والإرادة في الثاني؟ قلت: كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعا الإرادة والإصابة في كل واحد من الضر والخير، وأنه لا راد لما يريده منهما ولا مزيل لما يصيب به منهما، فاوجز الكلام بأن ذكر المس وهو الإصابة في أحدهما والإرادة في الآخر ليدل بما ذكر على ما ترك، على أنه قد ذكر الإصابة بالخير في قوله تعالى (يصيب به من يشاء من عباده) والمراد بالمشيئة مشيئة المصلحة (قد جاءكم الحق) فلم يبق لكم عذر ولا على الله حجة، فمن اختار الهدى واتباع الحق فما نفع باختياره إلا نفسه، ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه، واللام وعلى دلا على معنى النفع والضر. وكل إليهم الأمر بعد إبانة الحق وإزاحة العلل، وفيه حث على إيثار الهدى واطراح الضلال مع ذلك (وما أنا عليكم بوكيل) بحفيظ موكول إلى أمركم وحملكم على ما أريد، (إنما أنا بشير ونذير واصبر على دعوتهم واحتمال أذاهم وإعراضهم (حتى يحكم الله) لك بالنصرة عليهم والغلبة، وروى (أنها لما نزلت جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال: إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني) يعنى أنى أمرت في هذه الآية بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت، فاصبروا أنتم على ما يسومكم الأمراء الجورة، قال أنس: فلم نصبر. وروى أن أبا قتادة تخلف عن تلقى معاوية حين قدم المدينة وقد تلقته الأنصار،