____________________
مفسره متعلقة بأرسلنا أو بنذير. وصف اليوم بأليم من الإسناد المجازى لوقوع الألم فيه، فإن قلت: فإذا وصف به العذاب؟ قلت: مجازى مثله لأن الأليم في الحقيقة هو العذاب ونظيرهما قولك نهارك صائم وجد جده (الملأ) الأشراف من قولهم فلان ملئ بكذا إذا كان مطيقا له، وقد ملئوا بالأمر لأنهم ملئوا بكفايات الأمور واضلعوا بها وبتدبيرها، أو لأنهم يتمالئون: أي يتظاهرون ويتساندون، أو لأنهم يملئون القلوب هيبة والمجالس أبهة، أو لأنهم ملأء بالأحلام والآراء الصائبة (ما نراك إلا بشرا مثلنا) تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة، وإن الله لو أراد إن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم، فقالوا: هب أنك واحد من الملأ وموازلهم في المنزلة فما جعلك أحق منهم؟
ألا ترى إلى قولهم - وما نرى لكم علينا من فضل - أو أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكا لا بشرا والأراذل جمع الأرذل كقوله - أكابر مجرميها - (أحاسنكم أخلاقا) قرئ بادي الرأي بالهمز وغير الهمز بمعنى اتبعوك أول الرأي أو ظاهر الرأي، وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث أول رأيهم أو وقت حدوث ظاهر رأيهم، فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه، أرادوا أن اتباعهم لك إنما هو شئ عن لهم بديهة من غير روية ونظر، وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم، ولقد زل عنهم أن التقدم في الدنيا لا يقرب أحدا من الله وإنما يبعده، ولا يرفعه بل يضعه، فضلا أن يجعله سببا في الاختيار للنبوة والتأهيل لها. على أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا مرغبين في طلب الآخرة ورفض الدنيا مزهدين فيها مصغرين لشأنها وشأن من أخلد إليها، فما أبعد حالهم من الاتصاف بما يبعد من الله والتشرف بما هو ضعة عند الله (من فضل) من زيادة شرف علينا تؤهلكم للنبوة (بل نظنكم كاذبين) فيما تدعونه (أرأيتم) أخبروني (إن كنت على بينة) على برهان (من ربى) وشاهد منه يشهد بصحة دعواي (وآتاني رحمة من عنده) بإيتاء البينة على أن البينة في نفسها هي الرحمة، ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة وبالرحمة النبوة. فإن قلت فقوله (فعميت) ظاهر على الوجه الأول، فما وجهه عن الوجه الثاني وحقه أن يقال فعميتا؟ قلت: الوجه أن
ألا ترى إلى قولهم - وما نرى لكم علينا من فضل - أو أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكا لا بشرا والأراذل جمع الأرذل كقوله - أكابر مجرميها - (أحاسنكم أخلاقا) قرئ بادي الرأي بالهمز وغير الهمز بمعنى اتبعوك أول الرأي أو ظاهر الرأي، وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث أول رأيهم أو وقت حدوث ظاهر رأيهم، فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه، أرادوا أن اتباعهم لك إنما هو شئ عن لهم بديهة من غير روية ونظر، وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم، ولقد زل عنهم أن التقدم في الدنيا لا يقرب أحدا من الله وإنما يبعده، ولا يرفعه بل يضعه، فضلا أن يجعله سببا في الاختيار للنبوة والتأهيل لها. على أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا مرغبين في طلب الآخرة ورفض الدنيا مزهدين فيها مصغرين لشأنها وشأن من أخلد إليها، فما أبعد حالهم من الاتصاف بما يبعد من الله والتشرف بما هو ضعة عند الله (من فضل) من زيادة شرف علينا تؤهلكم للنبوة (بل نظنكم كاذبين) فيما تدعونه (أرأيتم) أخبروني (إن كنت على بينة) على برهان (من ربى) وشاهد منه يشهد بصحة دعواي (وآتاني رحمة من عنده) بإيتاء البينة على أن البينة في نفسها هي الرحمة، ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة وبالرحمة النبوة. فإن قلت فقوله (فعميت) ظاهر على الوجه الأول، فما وجهه عن الوجه الثاني وحقه أن يقال فعميتا؟ قلت: الوجه أن