الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٥٥
إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون. قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون. فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين. ثم ننجى رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين. قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين. وأن أقم وجهك للدين
____________________
النفوس التي علم أنها تؤمن (إلا بإذن الله) أي بتسهيله وهو منح الألطاف (ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) قابل الإذن بالرجس وهو الخذلان، والنفس المعلوم إيمانها بالذين لا يعقلون وهم المصرون على الكفر كقوله - صم بكم عمى فهم لا يعقلون - وسمى الخذلان رجسا وهو العذاب لأنه سببه. وقرئ الرجز بالزاي، وقرئ ونجعل بالنون (ماذا في السماوات والأرض) من الآيات والعبر (وما تغنى الآيات والنذر) والرسل المنذرون أو الإنذارات (عن قوم لا يؤمنون) لا يتوقع إيمانهم وهم الذين لا يعقلون، وقرئ وما يغنى بالياء، وما نافية أو استفهامية (أيام الذين خلوا من قبلهم) وقائع الله تعالى فيهم كما يقال أيام العرب لوقائعها (ثم ننجى رسلنا) معطوف على كلام محذوف يدل عليه قوله - إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم - كأنه قيل: نهلك الأمم ثم ننجى رسلنا على حكاية الأحوال الماضية (والذين آمنوا) ومن آمن معهم. كذلك ننج المؤمنين مثل ذلك الإنجاء ننجى المؤمنين منكم ونهلك المشركين، و (حقا علينا) اعتراض يعنى حق ذلك علينا حقا، وقرئ ننج بالتشديد (يا أيها الناس) يا أهل مكة (إن كنتم في شك من ديني) وصحته وسداده فهذا ديني فاسمعوا وصفه واعرضوه على عقولكم وانظروا فيه بعين الإنصاف لتعلموا أنه دين لا مدخل فيه للشك، وهو أنى لا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون من هو إلهكم وخالقكم (ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم) وإنما وصفه بالتوفي ليريهم أنه الحقيق بأن يخاف ويتقى فيعبد دون ما لا يقدر على شئ (وأمرت أن أكون من المؤمنين) يعنى أن الله أمرني بذلك بما ركب في من العقل وبما أوحى إلى في كتابه. وقيل معناه: إن كنتم في شك من ديني ومما أنا عليه أثبت عليه أم أتركه وأوافقكم فال تحدثوا أنفسكم بالمحال ولا تشكوا في أمري واقطعوا عنى أطماعكم واعلموا أنى لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولا أختار الضلالة على الهدى كقوله - قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) أمرت أن أكون أصله بأن أكون فحذف الجار، وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد الذي هو حذف الحروف الجارة مع أن وأن، وأن يكون من الحذف غير المطرد وهو قوله: أمرتك الخير فاصدع بما تؤمر. فإن قلت: عطف قوله (وأن أقم) على أن أكون للعبارة، وإن كان الأمر ما يتضمن معنى القول لأن عطفها على الموصولة يأبى ذلك، والقول بكونها موصولة مثل الأولى لا يساعد عليه لفظ الأمر وهو أقم، لأن الصلة حقها أن تكون جملة تحتمل الصدق والكذب.
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»