____________________
يقدر فعميت بعد البينة، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة، ومعنى عميت: خفيت. وقرئ فعميت بمعنى أخفيت. وفى قراءة أبى فعماها عليكم. فإن قلت: فما حقيقته؟ قلت: حقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء، لأن الأعمى لا يهتدى ولا يهدى غيره، فمعنى فعميت عليكم البينة: فلم تهدكم كما لو عمى على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد. فإن قلت: فما معنى قراءة أبى؟ قلت: المعنى إنهم صمموا على الإعراض عنها فخلاهم الله وتصميمهم فجعلت تلك التخلية تعمية منه، والدليل عليه قوله (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) يعنى أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء بها وأنتم تكرهونها ولا تختارونها ولا إكراه في الدين، وقد جئ بضميري المفعولين متصلين جميعا. ويجوز أن يكون الثاني منفصلا كقولك أنلزمكم إياها، ونحوه - فسيكفيكهم الله - ويجوز فسيكفيك أياهم. وحكى عن أبي عمرو إسكان الميم، ووجهه أن الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة فظنها الراوي سكونا، والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين، لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر. والضمير في قوله (لا أسئلكم عليه) راجع إلى قوله لهم (إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله). وقرئ: وما أنا بطارد الذين آمنوا بالتنوين على الأصل. فإن قلت: ما معنى قوله (إنهم ملاقوا ربهم)؟ قلت: معناه إنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم، أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت كما ظهر لي منهم وما أعرف غيره منهم، أو على خلاف ذلك مما تقرفونهم به من بناء إيمانهم على بادي الرأي من غير نظر وتفكر، وما على أن أشق عن قلوبهم وأتعرف سر ذلك منهم حتى أطردهم إن كان الأمر كما تزعمون، ونحوه - ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآية، أو هم مصدقون بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة (تجهلون) تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل من قوله: * ألا لا يجهلن أحد علينا * أو تجهلون لقاء ربكم، أو تجهلون أنهم خير منكم (من ينصرني من الله) من يمنعني من انتقامه (إن طردتهم) وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به أنفة من أن يكونوا معهم على سواء (أعلم الغيب) معطوف على عندي خزائن الله: أي لا أقول عندي خزائن الله، ولا أقول أنا أعلم الغيب، ومعناه: لا أقول لكم عندي خزائن الله فأدعي فضلا عليكم في الغنى