الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٦٦
أنلزمكموها وأنتم لها كارهون. ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجرى إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون. ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون. وقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب
____________________
يقدر فعميت بعد البينة، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة، ومعنى عميت: خفيت. وقرئ فعميت بمعنى أخفيت. وفى قراءة أبى فعماها عليكم. فإن قلت: فما حقيقته؟ قلت: حقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء، لأن الأعمى لا يهتدى ولا يهدى غيره، فمعنى فعميت عليكم البينة: فلم تهدكم كما لو عمى على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد. فإن قلت: فما معنى قراءة أبى؟ قلت: المعنى إنهم صمموا على الإعراض عنها فخلاهم الله وتصميمهم فجعلت تلك التخلية تعمية منه، والدليل عليه قوله (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) يعنى أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء بها وأنتم تكرهونها ولا تختارونها ولا إكراه في الدين، وقد جئ بضميري المفعولين متصلين جميعا. ويجوز أن يكون الثاني منفصلا كقولك أنلزمكم إياها، ونحوه - فسيكفيكهم الله - ويجوز فسيكفيك أياهم. وحكى عن أبي عمرو إسكان الميم، ووجهه أن الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة فظنها الراوي سكونا، والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين، لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر. والضمير في قوله (لا أسئلكم عليه) راجع إلى قوله لهم (إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله). وقرئ: وما أنا بطارد الذين آمنوا بالتنوين على الأصل. فإن قلت: ما معنى قوله (إنهم ملاقوا ربهم)؟ قلت: معناه إنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم، أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت كما ظهر لي منهم وما أعرف غيره منهم، أو على خلاف ذلك مما تقرفونهم به من بناء إيمانهم على بادي الرأي من غير نظر وتفكر، وما على أن أشق عن قلوبهم وأتعرف سر ذلك منهم حتى أطردهم إن كان الأمر كما تزعمون، ونحوه - ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآية، أو هم مصدقون بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة (تجهلون) تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل من قوله: * ألا لا يجهلن أحد علينا * أو تجهلون لقاء ربكم، أو تجهلون أنهم خير منكم (من ينصرني من الله) من يمنعني من انتقامه (إن طردتهم) وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به أنفة من أن يكونوا معهم على سواء (أعلم الغيب) معطوف على عندي خزائن الله: أي لا أقول عندي خزائن الله، ولا أقول أنا أعلم الغيب، ومعناه: لا أقول لكم عندي خزائن الله فأدعي فضلا عليكم في الغنى
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»