الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٣٤
فأخرج به من الثمرات
____________________
ما في النصب من المدح وقرأ يزيد الشامي بساطا وقرأ طلحة مهادا ومعنى جعلها فراشا وبساطا ومهادا للناس أنهم يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على فراشه وبساطه ومهاده فإن قلت هل فيه دليل على أن الأرض مسطحة وليست بكرية؟ قلت ليس فيه إلا أن الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفارش وسواء كانت على شكل السطح أو شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع لعظم حجمها واتساع جرمها وتباعد أطرافها وإذا كان متسهلا في الجبل وهو وتد من أوتاد الأرض فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل والبناء مصدر رسمي به المبنى بينا كان أو قبة أو خباء أو طرافا وأبنية العرب أخبيتهم ومنه بنى على امرأته لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديدا فإن قلت ما معنى إخراج الثمرات بالماء وإنما خرجت بقدرته ومشيئته؟ قلت المعنى أنه جعل الماء سببا في خروجها ومادة لها كماء الفحل في خلق الولد وهو قادر على أن ينشئ الأجناس كلها بلا أسباب ولا مواد كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد ولكن له إنشاء الأشياء مدرجا لها من حال إلى حال وناقلا من مرتبة إلى مرتبة حكما ودواعي يجدد فيها لملائكته بعيون الاستبصار من عباده عبرا وأفكارا صالحة وزيادة طمأنينة وسكون إلى عظيم قدرته وغرائب حكمته ليس ذلك في إنشائها بغتة من غير تدريج وترتيب ومن في (من الثمرات) للتبعيض بشهادة قوله - فأخرجنا به من كل الثمرات - وقوله - فأخرجنا به ثمرات - ولأن المنكرين أعني ماء ورزقا يكتنفانه وقد قصد بتنكيرهما معنى البعضية فكأنه قيل وأنزلنا من السماء بعض الماء
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 224 228 230 232 234 235 236 237 238 241 ... » »»