الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٢٤
يا أيها الناس اعبدوا ربكم
____________________
وهو من الالتفات المذكور عند قوله - إياك نعبد وإياك نستعين - وهو فن من الكلام جزل فيه هز وتحريك من السامع، كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكيا عن ثالث لكما: إن فلانا من قصته كيت وكيت، فقصصت عليه ما فرط منه، ثم عدلت بخطابك إلى الثالث فقلت: يا فلان من حقك أن تلزم الطريقة الحميدة في مجارى أمورك وتستوى على جادة السداد في مصادرك ومواردك، نبهته بالتفاتك نحوه فضل تنبيه، واستدعيت إصغاءه إلى إرشادك زيادة استدعاء، وأوجدته بالانتقال من الغيبة إلى المواجهة هازا من طبعه مالا يجده إذا استمررت على لفظ الغيبة وهكذا الافتنان في الحديث والخروج فيه من صنف إلى صنف يستفتح الاذان للاستماع ويستهش الأنفس للقبول. وبلغنا بإسناد صحيح عن إبراهيم عن علقمة أن كل شئ نزل فيه - يا أيها الناس - فهو مكي و- يا أيها الذين امنوا - فهو مدني فقوله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) خطاب لمشركي مكة، وياحرف وضع في أصله لنداء البعيد صوت يهتف به الرجل بمن يناديه. وأما نداء القريب فله أي والهمزة، ثم استعمل في مناداة من سها وغفل وإن قرب تنزيلا له منزلة من بعد، فإذا نودي به القريب المفاطن فذلك للتأكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معنى به جدا. فإن قلت: فما بال الداعي يقول في جؤاره يا رب ويالله وهو أقرب إليه من حبل الوريد وأسمع به،
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 221 222 224 228 230 232 234 235 ... » »»