الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٤٥
يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه
____________________
ثم أضيف كما تقول: عجبت من ضرب زيدا ثم من ضرب زيد. وقرأ السلمي على الأصل. وقرأ محمد بن مقاتل فجزاء مثل ما قتل بنصبهما، بمعنى: فليجز جزاء مثل ما قتل. وقرأ الحسن من النعم بسكون العين، استثقل الحركة على حرف الحلق فسكنه (يحكم به) بمثل ما قتل (ذوا عدل منكم) حكمان عادلان من المسلمين، قالوا: وفيه دليل على أن المثل القيمة، لان التقويم مما يحتاج إلى النظر والاجتهاد دون الأشياء المشاهدة. وعن قبيصة أنه أصاب ظبيا وهو محرم فسأل عمر فشاور عبد الرحمن بن عوف، ثم أمره بذبح شاة، فقال قبيصة لصاحبه: والله ما علم أمير المؤمنين حتى سأل غيره فأقبل عليه ضربا بالدرة وقال: أتغمص الفتيا وتقتل الصيد وأنت محرم؟ قال الله تعالى: - يحكم به ذوا عدل منكم - فأنا عمر وهذا عبد الرحمن. وقرأ محمد بن جعفر ذو عدل منكم، أراد يحكم به من يعدل منكم ولم يرد الوحدة، وقيل أراد الامام (هديا) حال عن جزاء فيمن وصفه بمثل لان الصفة خصصته فقربته من المعرفة، أو بدل عن مثل فيمن نصبه أو عن محله فيمن جره، ويجوز أن ينتصب حالا عن الضمير في به.
ووصف هديا ب‍ (بالغ الكعبة) لان إضافته غير حقيقية. ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالحرم. فأما التصدق به فحيث شئت عند أبي حنيفة، وعند الشافعي في الحرم. فإن قلت: بم يرفع (كفارة) من ينصب جزاء؟ قلت:
يجعلها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: أو الواجب عليه كفارة، أو مقدر فعليه أن يجزى جزاء أو كفارة فيعطفها على أن يجزى. وقرئ أو كفارة طعام مساكين على الإضافة، وهذه الإضافة مبينة كأنه قيل أو كفارة من طعام مساكين، كقولك خاتم فضة بمعنى خاتم من فضة. وقرأ الأعرج أو كفارة طعام مساكين، وإنما وحد لأنه واقع موقع التبيين فاكتفى بالواحد الدال على الجنس. وقرئ أو عدل ذلك بكسر العين، والفرق بينهما أن عدل الشئ ما عادله من غير جنسه كالصوم والاطعام، وعدله ما عدل به في المقدار ومنه عدلا الحمل لان كل واحد منهما عدل بالآخر حتى اعتدلا، كان المفتوح تسمية بالمصدر والمكسور بمعنى المفعول به كالذبح ونحوه ونحوهما الحمل والحمل، و (ذلك) إشارة إلى الطعام: و (صياما) تمييز للعدل كقولك لي مثله رجلا، والخيار في ذلك إلى قاتل الصيد عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد إلى الحكمين (ليذوق) متعلق بقوله فجزاء: أي فعليه أن يجازى أو يكفر ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الاحرام. والوبال المكروه، والضرر الذي يناله في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه كقوله تعالى - فأخذناه أخذا وبيلا - ثقيلا. والطعام الوبيل الذي يثقل على المعدة فلا يستمرأ (عفا الله عما سلف) لكم من الصيد في حال الاحرام قبل أن تراجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألوه عن جوازه، وقيل عما سلف لكم في الجاهلية منه لانهم كانوا متعبدين بشرائع من قبلهم وكان الصيد فيها محرما (ومن عاد) إلى قتل الصيد وهو محرم بعد نزول النهي (فينتقم الله منه) ينتقم خبر مبتدأ محذوف تقديره. فهو ينتقم الله منه، ولذلك دخلت الفاء، ونحوه - فمن يؤمن بربه فلا يخاف -: يعني ينتقم منه في الآخرة. واختلف في وجوب الكفارة على العائد، فعن عطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير والحسن وجوبها وعليه عامة العلماء. وعن ابن عباس وشريح أنه
(٦٤٥)
مفاتيح البحث: الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 640 641 642 643 644 645 646 647 648 649 650 ... » »»