قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا، والله هو السميع العليم. قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا
____________________
الأبرص وأحيا الموتى على يده فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى، وفلق بها البحر وطمس على يد موسى، وإن خلقه من غير ذكر فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى (وأمه صديقة) أي وما أمه أيضا إلا صديقة كبعض النساء المصدقات للأنبياء المؤمنات بهم، فما منزلتهما إلا منزلة بشرين أحدهما نبي والآخر صحابي، فمن أين اشتبه عليكم أمرهما حتى وصفتموهما بما لم يوصف به سائر الأنبياء وصحابتهم مع أنه لا تميز ولا تفاوت بينهما وبينهم بوجه من الوجوه. ثم صرح ببعدهما عما نسب إليهما في قوله (كانا يأكلان الطعام) لان من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم والنفض لم يكن إلا جسما مركبا من عظم ولحم وعروق وأعصاب وأخلاط وأمزجة مع شهوة وقرم وغير ذلك مما يدل على أنه مصنوع مؤلف مدبر كغيره من الأجسام (كيف نبين لهم الآيات) أي الاعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم (أنى يؤفكون) كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله. فإن قلت: ما معنى التراخي في قوله ثم انظر؟ قلت: معناه ما بين العجبين: يعني أنه بين لهم الآيات بيانا عجيبا وأن إعراضهم عنها أعجب منه (ما لا يملك) هو عيسى: أي شيئا لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضركم به الله من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال، ولا أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم به من صحة الأبدان والسعة والخصب، ولان كل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع فبإقدار الله وتمكينه، فكأنه لا يملك منه شيئا، وهذا دليل قاطع على أن أمره مناف للربوبية حيث جعله لا يستطيع ضرا ولا نفعا، وصفة الرب أن يكون قادرا على كل شئ لا يخرج مقدور عن قدرته (والله هو السميع العليم) متعلق بأتعبدون: أي أتشركون بالله ولا تخشونه، وهو الذي يسمع ما تقولون ويعلم ما تعتقدون، أو أتعبدون العاجز والله هو السميع العليم الذي يصح منه أن يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم، ولن يكون كذلك إلا وهو حي قادر (غير الحق) صفة للمصدر: أي لا تغلوا في دينكم غلوا غير الحق:
أي غلوا باطلا، لان الغلو في الدين غلوان: غلو حق وهو أن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد رضوان الله عليهم، وغلو باطل وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالاعراض عن الأدلة واتباع الشبه كما يفعل أهل الأهواء والبدع (قد ضلوا من قبل) هم أئمتهم في النصرانية كانوا على الضلال قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم (وأضلوا كثيرا) ممن شايعهم على
أي غلوا باطلا، لان الغلو في الدين غلوان: غلو حق وهو أن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد رضوان الله عليهم، وغلو باطل وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالاعراض عن الأدلة واتباع الشبه كما يفعل أهل الأهواء والبدع (قد ضلوا من قبل) هم أئمتهم في النصرانية كانوا على الضلال قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم (وأضلوا كثيرا) ممن شايعهم على