الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٨٩
للعطف لا للقسم. تقريره أن ثم والفاء قد يقعان موقع الواو في مثل هذا التركيب، أعني أن يكون المقسم عليه متحدا مع تعدد في المقسم بن كقولك: وحياتي ثم حياتك لأفعلن، وقوله تعالى - الصافات صفا فالزاجرات زجرا - ولا يتفاوت المعنى إلا بما يفيده هذان الحرفان من التراخي والتعقيب الزائدين على معنى الواو، فكما أن ثم والفاء للعطف والتشريك دون القسم كذلك الواو. فإن قلت: المقصود من نقله كلام الخليل أن يستدل على أن الجمع بين قسمين على مقسم عليه واحد مستكره وقد تم بالوجه الأول فلا فائدة في نقل الثاني إذ لاتعلق له بحديث الاستكراه.
قلت: هو تتميم لما نقله عنه أولا، وفيه تمهيد لذكر العطف كأنه قال: لو كانت تلك الفواتح مقسما بها منصوبة لكانت الواو بعدها للعطف قياسا على النظائر، لكنه متعذر للمخالفة في الإعراب: وأيضا لظهور العطف مدخل في استقباح تعدد القسم على شئ واحد كما عرفت. لا يقال: التخالف في الإعراب لا يمنع العطف لجواز أن يكون على توهم الجر في المعطوف عليه إضمار الجار كقولك: لست مدرك ما مضى ولا سابق. لأنا نقول: هذا التوهم إنما يعتبر فيما كثر وجوده كالباء في خبر ليس. وأما إضمار الجار في القسم فقليل جدا، فلا عبرة بتوهمه بل هو أشد استكراها. وقد يجاب بأن الجار في البيت مفروض لا مقدر، وحين فرض فرض عاملا في المعطوف عليه وفيما نحن بصدده مقدر وقد عزل عن العمل في الأقرب فلا يحسن إعماله في الأبعد. واعترض على قول الخليل بأن الواو في - والنهار إذا تجلى - إن كانت عاطفة لزم العطف على معمولي عاملين مختلفين، فإن الليل مجرور بواو القسم، وإذا يغشى منصوب بفعله وقد عطف النهار، وإذا تجلى عليه بعاطف واحد. وأجاب عنه المصنف بأن واو القسم يطرح معها إبراز الفعل اطراحا كليا، بخلاف الباء حيث أبرز معها الفعل وأضمر، فالواو نائبة مناب الفعل والباء معا وسدت مسدهما فصارت كأنها هي العاملة جرا ونصبا في الليل والظرف، فالعطف حينئذ على معمولي عامل واحد كقولك: ضرب زيد عمرا وبكر خالدا. ورد بعدم اطراده فيما إذا صرح بالفعل مع الباء كقوله تعالى - فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس - فإن الصبح معطوف على الليل المجرور بالباء، وإذا تنفس معطوف على إذا عسعس المنصوب بالفعل، وههنا إشكال آخر وهو تقييد القسم بالظرف مع أنه مطلق، إذ ليس المعنى في القسمين على أنه أقسم بالليل وقت غشيانه أو عسعسته والصبح وقت تنفسه، وهو لازم سواء جعل الظرف مفعولا لفعل القسم أو الواو القائمة مقامه وجعل الظرف حالا كما اختاره ابن الحاجب لا يدفعه فإن الحال قيد للفعل أيضا. والأولى أن يجعل إذا اسما بدلا: أي أقسم بالليل بوقت غشيانه وبالنهار بوقت تجليه وبالصبح بوقت تنفسه، أو يجعل ظرفا ويقدر مضاف قبل الليل: أي وعظمته الليل وقت غشيانه، فالمضاف المقدر هو العامل خفضا ونصبا فيندفع الإشكالان معا، وتقدير الغشيان وإن كان دافعا لهما إلا أنه لا يجدي طائلا بحسب المعنى (قوله والواو الأخيرة واو قسم) جملة حالية عاملها تقول، وقوله (لا يجوز إلا مستكرها) بيان وتأكيد لقوله لا يقوى. وقوله هذا فصل بين كلامي الخليل والمصنف معناه: مضى هذا أو خذ هذا أو هذا كما ذكرت. وجعلته إشارة إلى الواو صفة لها أو بدلا منها يؤدى إلى ترك الفصل الذي هو أليق بسياق
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»