الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٨٨
سيبويه عن ذلك فقال: إذا كانت الأولى بمنزلة الباء والتاء فلم لا تكون الأخريان كذلك؟ فأجاب عنه. واستدل على أنهما للعطف بوجهين: الأول قوله إنما أقسم بهذه الأشياء الخ، فقيل معناه أن المقسم عليه الذي هو جواب القسم إذا كان شيئا واحدا والمقس به أشياء متعددة كان المقصود هناك قسما واحدا تشترك فيه تلك الأشياء، وحينئذ لابد من أداة التشريك ليفهم المقصود على ما هو عليه، ولو كان القسم متعددا يستقل كل واحد بجوابه لجاز أن لا يدل على تشريك أصلا كما في قوله: بالله لأفعلن بالله لأخرجن، أما إذا اتحد المقسم عليه كقوله:
وحقك وحق زيد لأفعلن، فلا يقوى أن تجعل الواو الأخيرة للقسم دون العطف، بل يستكره وذلك لقصور العبارة عما قصد من وحدة القسم واشتراكه بين المتعدد الذي وقع مقسما به بل لإيهامها خلافه من تعدد القسم واقتضاء كل واحد جوابا برأسه لكنه لا يمتنع، وإنما لم يمتنع لجواز أن يفهم المقصود بشواهد القرائن. وقيل معناه أنه أقسم بهذه الأشياء على شئ واحد، فلو جعل الواوان الأخيرتان للقسم كان كل واحد قسما مستقلا بقصد مستأنف يقتضى ارتباط الجواب به ارتباط الجزاء بشرطه، فيلزم الانتقال من كلام إلى آخر قبل إتمامه، فإن القسم الأول إنما يتم بالمقسم عليه، وقد فصل بينهما بالقسم الثاني فاقتضى القياس امتناع، إلا أن الثاني لما كان متوجها إلى ما توجه إليه الأل لم يكن أجنبيا عنه من كل وجه فلم يمتنع الانتقال إلهي والفصل به بين الأول وجوابه، بل كان ضعيفا مستكرها، ولو كان القسم الأول مقتضيا لجوابه مستوفيا حقه الذي هو المقسم عليه لم يكن هناك انتقال وفصل، وجاز استعمال القسم الثاني على أنه كلام آخر عقيب تمام الأول كما في صورة تعدد المقسم عليه.
لا يقال: إذا اجتمع القسم والشرط على جواب واحد جعل ذلك الجواب لأحدهما لفظا ومعنى وللآخر معنى فقط، واعتمد في ذلك على القرينة ولم يستكره أصلا مع أن العبارة قاصرة في بعضها عن تأدية ما أريد بها من اشتراك الجواب بينهما، والفصل واقع بين أحدهما وجزائه فليكن الحال في اجتماع القسمين على هذا المنوال. لأنا نقول: ثم ضرورة هي اختلاف القسم والشرط وتنافى جوابيهما في الأحكام اللفظية دعت إلى ارتكاب ما ذكر، ولا ضرورة في القسم المذكور فيستقبح فيه العدول عن الظاهر المستحسن، أعني جعل الواو عاطفة ليكون المجموع قسما واحدا على مقسم عليه واحد سواء اعتبر العطف أولا وتعلق الأقسام ثانيا أو بالعكس الثاني وحده من قصور الدلالة عن المرام، ولافصل بين أجزاء الكلام، وبذلك يندفع أيضا ما ورد على المعنى الثاني وحده من حذف جواب القسم الأول، فإنه أيضا عدول عن الظاهر بلا ضرورة تدعو إليه: الوجه الثاني في أن الواوين
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»