كلامه، على أن الأنسب حينئذ أن يقال هذه ليناسب قوله الواو الأخيرة (قوله فقدرها مجرورة) أي إذا كان المانع من كون تلك الفواتح مقسما بها جعلها منصوبة إذ بذلك يخالف إعرابها إعراب ما بعدها، فامتنع العطف ولزم الجمع بين القسمين على مقسم عليه واحد، إذ بامتناع العطف يتعين القسم المستكره فأزال هذا المانع، وقدرها مجرورة بإضمار الجر واجعل الواو للعطف حتى يتم لك المصير إلى نحو ما أشرت إليه بضم التاء على التكلم كما في النسخ المعول عليها فما أشرت إليه عبارة عن كونها مقسما بها منصوبة فإنه الذي أشار إليه السائل ولام على تركه ذكره بقوله هلا زعمت ونحوه عبارة عن كونها مقسما بها مجرورة، يعنى إذا لم يتم لك المصير إلى ما طلبنا منك أولا لمانع في طريقه فاختر طريقة أخرى ليتم لك المصير إلى نظيره المشارك له فيما هو المقصود الأصلي، أعني كونها مقسما بها، فإن هذا النظير أيضا وجه من الإعراب مغاير لكونها منصوبة بتقدير أذكر. وقرأ بعض المتأخرين بفتح التاء على الخطاب كما وقع في بعض النسخ، وفسر ما أشرت إليه بعدم الجميع بين القسمين وهو منظور فيه.
أما أولا فلأن المفهوم من قوله حتى يستتب لك المصير إلى نحو ما أشرت إليه أن هناك مطلوبا لم يستتب المصير إليه لمانع. وإذا اختير ما ذكره ههنا زال المانع واستتب له المصير إلى ما هو نحوه وقائم مقامه. وعدم الجمع بين القسمين ليس أمرا مطلوبا بهذه الصفة عرض له مانع من المصير إليه، بل هو عدم مانع في طريق المطلوب، وهذا مما لا يشتبه على من له في معرفة التراكيب ونقد المعاني قدم راسخ وضرس قاطع. وأما ثانيا فلأن لفظة نحو لايبقى لها على هذا التفسير معنى أصلا كما لا يخفى على من له أدنى مسكة، وحملها على الكناية كما في مثلك لا يبخل مما لا يلتفت إليه. وأما ثالثا فلأن قوله ويعضده ما رووا عن ابن عباس رضي الله عنهما ينافيه، فإن المروى عنه لا يعضده عدم الجمع بين القسمين بل لاتعلق له بذلك إنما يعضد كونها مقسما بها. لا يقال: لعله يحمل لفظة نحو على العطف كما يظهر من كلام غيره. لأن ا نقول: فحينئذ يصير المعنى واجعل الواو للعطف حتى يتم لك المصير إلى العطف، وذلك مما يعد لغوا. وأيضا يدفعه الوجه الأول لأن العطف ليس مطلوبا ههنا بل وسيلة إليه وكذا الوجه الثالث، فإن قول ابن عباس أقسم الله بهذه الحروف لا يتعلق بالعطف وتأييده أصلا على أن لفظة نحو إنما تطلق على المشابه، والعطف مستلزم لعدم الجمع بين القسمين ههنا لا مشابه له (قوله بإضمار الباء) خصها بالإضمار دون الواو والتاء لأصالتها في القسم وكثرة استعمالها فيه. وقوله لا يحذفها إشارة إلى أن المضمر يبقى أثره دون المحذوف، وقال هناك: وإنما نصب نصب قولهم نعم الله لأفعلن، وقال ههنا فقد جاء عنهم: الله لأفعلن مجرورا تنبيها على كثرة النصب بحذف الجار وقلة الجر بإضماره (قوله لاه أبوك) أصله لله أبوك أضمرت الجارة وحذفت الزائدة المدغمة في الأصلية لئلا يلزم الابتداء بالساكن. وقيل حذفت الأصلية لأن الزائدة مجتلبة لمعنى فهي بالإبقاء أولى، وربما يقال حذفت الزائدة والأصلية معا وفتحت الجارة، وحينئذ لا تكون نظيرا لما نحن فيه.