وغنائه عن طلب غيره ودخول الباء إلى مآل المعنى كأنه قيل اكتف بتسويته (قوله دلالة قاطعة) نصب على التمييز من ناهيك (قوله والمؤلف غير المفرد) أي هما متغايران صفة وذاتا، فلا يلزم من تسمية المؤلف بالمفرد اتحاد الاسم مع المسمى كما لا يلزم ذلك من عكسها في أسماء الحروف، والشبهة مندفعة لأن مغايرة الشئ لآخر لا تستلزم مغايرته لكل جزء منه حتى يلزم ذلك المحذور، وأما أن الجزء قد يطلق على العين فهو اصطلاح مخالف للعرف واللغة، والكلام ههنا ليس مبنيا على الاصطلاح. لا يقال: جزء الشئ متقدم عليه واسمه متأخر عنه فلا يكون جزء لشئ اسما له وإلا لكان متقدما عليه ومتأخرا عنه. لأنا نقول: ذات الجزء متقدم على ذات الكل في الوجود العيني والعلمي، وأما ذات الاسم فيلا يجب تأخره عن ذات المسمى في شئ منهما بل ربما كان جزءا للمسمى كما في الفواتح فيجب تقدمه، وربما كان بخلافه كما في أسماء الحروف فيجب تأخره عنها، وربما لما يكن شيئا منهما فلا يوصف بالتقدم والتأخر بالقياس إلى مسماه، نعم وصف الاسمية متأخر عن ذات المسمى مطلقا. فإن قيل وقوعها أجزاء للسور من حيث إنها أسماء لها فإذا كانت الاسمية متأخرة يلزم تأخر الجزء أيضا. قلنا: يلزم من ذلك تأخر وصف الجزئية عن ذات الكل ولا محذور فيه (قوله ليكون أول ما يقرع الأسماع) أي من السور المصدرة بها مستقلا بوجه من الإغراب: أي مستبدا به غير محتاج فيه إلى ما بعده من الكلام، يقال أغرب الرجل: إذا جاء بشئ غريب (قوله وتقدمة من دلائل الإعجاز) أي أمارته إشارة إلى أن المقصود نم الإغراب في أوائل السور أن تكون دليلا على إعجاز ما يرد بعدها ومقدمة منبهة عليه، فالفواتح على الوجه الثاني قصد بها التنبيه على أن هذا المتلو: أي القرآن لتركبه من الحروف التي يتركب منها كلامهم على قواعدهم ليس إعجازه ببلاغته الفائقة إلا لكونه من الله. وعلى الوجه الثالث قصد هبا التنبيه على أنها لاستقلالها بوجه من الإغراب في الافتتاح من حيث صدورها عمن تستبعد منه أمارة على أن الكلام الوارد بعدها معجز بالنسبة إلى حال من ظهر على لسانه فيكون تكلمه بها يستغرب منه دلالة على كونه تكلمه بما بعد منه معجزا، فالوجهان حينئذ مدارهما على ما ذكر من قوله تعالى - فأتوا بسورة من مثله - من أن الضمير لما نزلنا أو لعبدنا. وقد يجعل الإعجاز المشار إليه بالإغراب إعجاز المنزل، أما مطلقا أو في نفسه، فقد لو حظ ههنا حال المتكلم المنزل عليه في إغراب الفواتح كما لو حظ هناك حالة إعجاز ما نزل عليه، والأول أحسن أو نسب. واعترض صاحب التقريب بأن النطق بأسامي الحروف لا إغراب فيه لأنه يمكن تعلمه ولو بسماع من صبي في أقصر مدة، فليس في النطق بها إغراب وتقدمة لأمارة إعجازه.
وأجيب بأنه وإن كان في نفسه ممكنا إلا أن صدوره عمن اشتهر أنه لم يتعلم شيئا قط بل نشأ بين قوم أميين ولم يخالط