المعنى يقتضى تكرارا في مفهوم الجمع المستغرق، فإن مراتب الجموع متفاوتة يتدرج بعضها تحت بعض، فالثلاثة تكون معتبرة فيه بنفسها، وفى الأربعة والخمسة وما فوقهما، بل نقول الكل من حيث هو كل جمع من الجموع فيندرج فيه مع اشتماله على سائر الجموع، والظاهر أنه غير مقصود. وأما قولهم لارجال فلم يقصد به نفى كل جماعة بل نفى مفهوم المركب من الجنس والجمعية، فيلزم منه انتفاء ما صدق عليه هذا المفهوم من الجموع دون الآحاد، كما أن لارجل لم يقصد به إلا نفى الجنس ولزم منه نفى ما صدق عليه من الآحاد، فليس العموم مقصودا منهما ابتداء بل هو لازم لما قصد بهما من مفهومهما وما لزم من مفهوم المفرد أشمل مما لزم من مفهوم الجمع، فالحكم بأن استغراق المفرد أشمل إنما يصح ههنا بناء على الوجه الذي قررناه. وأما الجموع المعرفة فتستعمل على وجهين: أحدهما أن يراد بها الكل من حيث هو فيكون الحكم مستندا إليه دون كل واحد كقولك: للرجال عندي درهم، فإن اللازم درهم واحد بخلاف قولك لكل رجل عندي درهم، والثاني وهو الأكثر والأشهر استعمالا أن يراد بها كل واحد من أفرادها، فيكون الحكم مستندا إلى كل فرد سواء كان إثباتا كقوله تعالى - والله يحب المحسنين - أي كل محسن، أو نفيا كقولك: لا أشترى العبيد: أي لا هذا ولا ذاك، ولما استفيد منها انتساب الأحكام إلى كل فرد كما في المفردات المستغرقة حكم بعض الأصوليين بأن الجمع المعرف بلام الجنس بطل عنه الجمعية وصار للجنسية. لا يقال فلا فائدة حينئذ لصيغة الجمع. لأنا نقول: صيغة الجمع أظهر في قصد الإفراد وأولى بالشمول والإحاطة كما يظهر من المباحث السابقة (قوله فهو اسم) إشارة بالفاء إلى تسببه عما تقدم من أنه اسم لذوي العلم أو لكل ما علم به الخالق، فعلى الأول ينتفى شرط واحد أعني كونه صفة أو ما في حكمها من الأعلام، فإن العلم يؤول بالمسمى بهذا الاسم لتتجانس مسمياته فيصح جمعه، وعلى الثاني ينتفى الشرطان معا.
وقدم السؤال الأول لأنه سؤال عن فائدة الجمع مطلقا سواء كان مصححا كالعالمين أو مكسرا كالعوالم، ولا نظر فيه إلى خصوصية جمع التصحيح، ولذلك أطلق وقال لم جمع. والثاني سؤال عن وجه صحة خصوصية الجمع بالواو والنون، وبيان فائدة المطلق مقدم على وجه صحة المقيد، ومن لم يهتد لذلك زعم أن الأول قدم على الثاني مع أن طلب فائدة الجمع متأخر عن صحته اهتماما بشأن الفوائد والمعانى (قوله ساغ ذلك) أي هو اسم شابه الصفة في دلالته على الذات باعتبار معنى هو كونه يعلم أو يعلم به، فساغ لذلك لذلك جمعه بالواو والنون مع شذوذه. أما على المعنى الأول فعلى الحقيقة لاختصاصه بأولى العلم، وأما على الثاني فعلى تغليب العقلاء على غيرهم (قوله قرأ أبو حنيفة) هي قراءة حسنة تحتمل معنى المالك والملك وملك هو المختار، أما أولا فلأنه قراءة أهل الحرمين وهم أولى الناس بأن يقرءوا القرآن غضا طربا كما أنزل الله، أو قراؤهم الأعلون رواية وفصاحة وقد وافقهم قارئ البصرة والشأم وحمزة من الكوفة. وأما ثانيا فلقوله تعالى - لمن الملك اليوم - فقد وصف ذاته بأنه الملك يوم القيامة والقرآن يتعاضد بعضه ببعض وتتناسب معانيه في المواد. وأما ثالثا فلقوله - ملك الناس - ففي خاتمة الكتاب لما