وإن لم يكن مطلقا عليها كأنها آحاد مفردة المقدر، وعلى هذا فالعالمون بمنزلة جمع الجمع، فكما أن لفظ الأقاويل يتناول كل واحد من آحاد الأقوال، كذلك العالمون يتناول كل واحد من آحاد الأجناس، فقوله يشمل كل جنس: أي أفراد كل جنس من الأجناس المسماة به، ومن الناس من حل كلامه على شمول الأجناس أنفسهما توهما من ظاهر العبارة ولم يرتض إرادة شمول أفرادها بناء على أن العالم لا يطلق عليها، فقرر الجواب بأنه لو أفرد لتبادر منه هذا العالم المشاهد بشهادة العرف فجمع ليشمل كل جنس سمى بالعالم وهما مدخولان: أما الأول فلأن المقام يقتضى ملاحظة شمول آحاد الأشياء المخلوقة كلها، ويشهد بذلك قوله ههنا مالكا للعالمين لا يخرج منهم شئ عن ملكوته، وقوله في تفسير - وما الله يريد ظلما للعالمين - نكر ظلما وجمع العالمين، على معنى ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه، وقد بينا لك آنفا وجه شمولها. وأما الثاني فلأن المقابل للعالم المشاهد العالم الغائب، فإذا كان الإفراد موهما أن المقصود هو الأول فقط ناسب أن يثنى ليتناولهما معا فإن لكل مندرج فيهما. وربما يقال تلخيص الجواب أنه لما قصد ههنا شمول الأجناس وشمول أفرادها مبالغة اختير لفظ ينبئ عن تناول المتعدد بوجهين فالجمعية لشمول الأجناس بمساعدة التعريف، والتعريف لشمول الأفراد بمعونة المقام، فالمعنى: رب كل جنس من الأجناس ورب كل فرد منه، وقيل في توجيه نظم القرآن إن التعريف للاستغراق والجمع للدلالة على أن العالم أجناس مختلفة كما قيل في جمع السماوات وتوحيد الأرض. وبيان المناسبة أن الحقائق المختلفة إذا اشتركت في مفهوم اسم، فهي من حيث اختلافها تقتضى أن يعبر عن كل واحد بلفظ على حدة،، ومن حيث اشتراكها في ذلك المفهوم تقتضى أن يعبر عن الكل بلفظ واحد فروعي الجهتان بصيغة الجمع فإنها لفظة واحدة صورة وألفاظ متعددة معنى، ولو أفرد وقيل رب العالم لم يعلم أن الربوبية شاملة لأجناس مختلفة. ومن أراد الاستقصاء في مباحث استغراق المفرد والجمع منكرا أو معرفا فعليه بكتابنا المسمى بالمصباح في شرح المفتاح. لا يقال قد اشتهر في كلامهم أن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع فما منشؤه وما الحق فيه. لأنا نقول: أما منشؤه فهو أن المفرد إذا عم استغراق أفراد مدلوله، أعني الآحاد فلا يخرج عنه شئ من تلك الآحاد، فعلى هذا القياس إذا عم الجمع ينبغي أن يستغرق أفراد مدلوله أعني الجموع، وذلك لا ينافي أن يخرج منه واحد مطلقا على كل قول أو اثنان على قول، ومن هنا قال ابن عباس: الكتاب أكبر من الكتب، وبينه المصنف بأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وجدان الجنس كلها لم يخرج منه شئ، وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه معنى الجنسية من الجموع، وإذا كان معنى الجمع المستغرق كل جمع جمع فلو أثبت له حكم فهم إثباته للمجموع، فإن كان من الأحكام التي يستلزم ثبوتها لكل فرد منهم فهم ثبوته للآحاد وإلا كانت باقية على الاحتمال، وأما الحق فهو أن هذا
(٥٥)