الكيفيات التابعة للمزاج والله تعالى منزه عنها. وقيل أراد الميل الجسماني: أي الانعطاف والانحناء، وليس بصحيح فإنه ليس معنى الرحمة وإن كان مشابها لمعناها ومسببا عنه ومدلولها لبعض ما يلاقيها في الاشتقاق كالرحم، أولا ترى أنه جعل الإنعام مسببا عن رقة لا عن الانحناء (قوله هو مجاز عن إنعامه) أي مجاز مرسل، فإن الرحمة والرقة سبب للإنعام كما بينه، ولو جعل مجازا مرسلا عن إرادة الإنعام لجاز، فإن الرحمة سبب للإرادة أولا، وبواسطة الإرادة للإنعام ثانيا، ويجوز أن يجعل استعارة على سبيل التمثيل كما اختاره في الغضب، وقد يتوهم أنه جعل الرحمة مجازا عن الإنعام والغضب عن إرادة الانتقام إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه، فهو للإنعام فاعل وللانتقام مريد، وإن كانت إرادته مفضية إلى فعله قطعا، وسيرد عليك تفصيل الكلام وتحقيقه هناك بعون الله وتوفيقه (الفظاظة) الغلظة (عنف) بضم النون مخففة من العنف وهو ضد الرفق، يقال عنف عليه وعنف به، وقد يوجد في بعض النسخ: بالتشديد من التعنيف وهو التعيير واللوم فيحتاج إلى تضمين معنى العنف: أي عيرهم عنيفا بهم (قوله فلم قدم ما هو أبلغ من الوصفين) تفريع على ما ذكر من أن الرحمن أبلغ في المعنى من الرحيم، وكلمة من هذه تبعيضية، والتفصيلية مقدرة: أي ما هو أبلغ من صاحبه من هذين الوصفين، وتلخيص الجواب أن الأبلغ إذا كان أخص مما دونه ومشتملا على مفهومه تعين هناك طريقة الترقي، إذ لو قدم الأبلغ كان ذكر الآخر عاريا عن الفائدة كما في الأمثلة المذكورة، فإن النحرير يشتمل على مفهوم العالم وزيادة، وكذا الباسل والقناص بالقياس إلى الشجاع والجواد. وأما إذا لم يكن الأبلغ مشتملا على مفهوم الأدنى كالرحمن والرحيم إذا أريد بالأول جلائل النعم وبالثاني دقائقها جاز سلوك كل واحد من طريقي التتميم والترقي نظرا إلى مقتضى الحال. ولما كان الملتقت إليه بالقصد الأول في مقام العظمة والكبرياء جلائل النعم وعظائمها دون لطائفها ودقائقها قدم الرحمن وأردف بالرحيم كالتتمة تنبيها على أن الكل منه، وأن عنايته شاملة لذوات الوجود كيلا يتوهم أن محقرات الأمور لا تلقيق بذاته فيحتشم عنه من سؤالها، وقيل الرحمن ناسب اسمه العلم من جهة الاختصاص والدلالة على زيادة المعنى فكان تقديمه أولى. وقيل تأخير الرحيم للترقي فإنه أبلغ من الرحمن، فإن فعيلا للأمور الغريزية كشريف وكريم
(٤٥)