نعما ظاهرة وباطنة جليلة ودقيقة. وثالثا ما يتعلق بالإعادة من كونه مالكا للأمر كله يوم الجزاء، كأنه قيل:
الحمد لله الذي منه الابتداء وإليه الانتهاء وبه البقاء فهو الحقيق بالثناء. وظهر بذلك أن هذه الأوصاف ليست أجنبية فاصلة بين الحمد وما بين به من العبادة. وقوله هذه الأوصاف مبتدأ خبره دليل، ولم يؤنثه لأنه صار في عداد الأسماء وإفراده إشارة إلى أن المجموع دليل واحد، فلا يتوهم شائبة اشتراك أصلا في استحقاق الحمد.
وكرر من في قوله ومن كونه منعما ومن كونه مالكا تنبيها على الشروع في وصف آخر وقيل تكريرها إشعار باستقلال كل وصف بكونه دليلا على حدة وقوله بعد الدلالة ظرف لأجريت، فوجب أن يكون قوله من كونه ربا الخ بيانا المستتر في أجريت لا لقوله هذه الأوصاف لئلا يقع فصل بين أجزاء الصلة بغيرها. فإن قلت:
اختار أولا ملكا على مالك فالأنسب أن يقول ههنا ومن كونه ملكا للأمر كله في العاقبة. قلت: النظر ههنا إلى مآل المعنى، فكونه مالكا للأمور كلها يوم الدين في قوة كونه ملكا فيه، كما أن كونه مالكا للعالمين في قوة كونه ملكا لهم، ولذا قال: لا يخرج منهم شئ من ملكوته، وما تقدم من اختياره إنما كان نظرا إلى اللفظ وإلى محض المفهوم (قوله وأنه به حقيق) قيل الضمير الأول للحمد، والثاني لله تعالى كما يشعر به قوله على اختصاص الحمد به: أي الحمد حقيق بالله لا بغيره، ويفهم من كون الحمد حقيقا به كونه حقيقا بالحمد، ولذلك قال: لم يكن أحد أحق منه، على معنى أنه أحق من كل أحد، فإن قولك: ليس أحد أفضل من زيد وإن دل على نفى الأفضل فقط لغة، إلا أن نفى المساوى مفهوم منه أيضا عرفا، فإن قلت: المناسب لكون الحمد حقيقا به دون غيره وما يفهم منه أن يقول: لم يكن أحد غيره حقيقا بالحمد لأن قوله أحق يدل على أن غيره حقيق في الجملة. قلت:
أشار أولا إلى انحصار الحمد فيه سبحانه واستحقاقه إياه، ثم نبه على أن ذلك ادعائي على سابق من التأويل إيماء إلى مذهبه، وقيل الضمير الأول لله والثاني للمحمد، ويوافقه قوله وكان حقيقا بأقصى غاية الخضوع وقوله حقيق بالثناء. ورد بأن تقديم الظرف يستلزم قصره تعالى على الحمد. وأجيب بأن تقديمه لمحض الاهتمام بما يتعلق به الاستحقاق (قوله إيا ضمير منفصل) قال الزجاج: ومتابعوه إيا اسم مظهر مبهم مضاف إلى المضمرات الواقعة بعده من الكاف ونحوه إضافة العام إلى الخاص فإنه مبهم يتعين بالمضاف إليه كأن إياك بمعنى نفسك. استدلوا على ذلك بإضافته إلى المظهر في قوله وإيا الشواب. وقال الخليل: إنه ضمير مضاف إلى ما بعده من الأسماء، واستشهد على كونه مضافا بإضافته إلى المظهر فيما حكاه عن بعض العرب واستضعف بأن الضمير لا يضاف. وذهب بعض الكوفيين وابن كيسان من البصرية إلى أن الكاف وأخواته هي الضمائر التي كانت متصلة وإيا دعامة لها لتصير منفصلة بسببها، وقال قوم من الكوفة: إياك بكماله هو الضمير، وزيف بأن ليس في الأسماء المضمرة ولا المظهرة