واختار الفاضل اليمنى أن الضمير للرب كما هو الحق، لكنه وجه التفريع بأن الاستعانة لما كانت شاملة لكل مستعان فيه دخلت فيه الاستعانة على العبادات دخولا أوليا فكانت الإعانة أمرا مطلوبا محتاجا إليه في أداء العبادات كما في سائر المهمات. فالأولى أن يقدم طلبها على العبادة، وفيه نظر لأن الحكم يتناول الاستعانة كل مستعان فيه متأخر عن هذا السؤال، فكيف يبتنى تفريعه عليه، وأيضا إذا كانت الإعانة على تحصيل العبادة أو تكميلها داخلة في المطلوب لم تكن العبادة وسيلة إليه مطلقا بل هي مقصودة بالقياس إلى بعضه، وهو الإعانة على العبادة تحصيلا أو تكميلا ووسيلة إلى بعضه، وهو الإعانة فيما عداها وذلك خلاف المفهوم من قوله لأن تقديم الوسيلة الخ.
لا يقال: العبادة متعددة أنواعا وأشخاصا فجاز أن يكون بعضها وسيلة إلى الإعانة على بعض. لأنا نقول: لا اختصاص لقوله نعبد ونستعين ببعض العبادات دون بعض، بل هما مطلقان نسبتهما إلى الكل على السوية، والذي يلوح من كلامه أنه أراد بالمهمات في قوله وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات مالا يتناوله غاية الخضوع: أي العبادة، فإنه المتبادر من العبارة والمناسب للعرف العام، وحينئذ يستقيم تفريع السؤال كما وجهنا أولا. ويظهر صحة الجواب مطلقا ويراد بإطلاق الاستعانة تناولها لكل مستعان فيه من تلك المهمات (قوله لم أطلقت) أي لم ترك تقييدها بما تقتضيه من المفعول بواسطة حرف الجر؟ أجاب بأن حذف المفعول لإفادة العموم بناء على أن الحمل على بعض دون بعض ترجيح بلا مرجح، وهكذا معنى قوله وأطلق الأنعام ليشمل كل الإنعام فالعموم مستفاد من الإطلاق بمعونة المقام، فمن شنع عليه بأنه لم يفرق بين المطلق والعام نقد تخلف بمنازل عن إدراك المرام (قوله كل مستعان فيه) أي مستعان عليه يقال أعانه على كذا وأعانه في كذا ومحصولهما واحد (قوله والأحسن الخ) عطف بحسب المعنى على جمع ما سبق من كلامه الدال على أن الاستعانة متعلقة بالمهمات وعامة فيها كأنه قال: هي مطلقة في المهمات غير مقيدة بالعبادة، والأحسن أنها مقيدة بها، وإنما أطلقت وحذف مفعولها لفظ لمجرد الاختصار مع وجود القرينة الدالة على تقييدها بالعبادة وهو اقترانها بها مع ظهور احتياجها إلى الإعانة عليها (به وبتوفيقه) من باب أعجبني زيد وكرمه (قوله لتلاؤم الكلام) أي لتناسب الجمل الواقعة فيه وانتظام بعضها مع بعض حيث دل إياك نستعين على طلب الإعانة على العبادة، فصار اهدنا بيانا للإعانة المطلوبة، فانتظمت الجمل الثلاث انتظاما تاما لمزيد ارتباط بينها. وربما يقال: إياك نعبد بيان للحمد أو استئناف نشأ من إجراء الأوصاف على المحمود، فكانت الجمل الأربع التي في الفاتحة متلاصقة متلاحقة والأخذ بالحجزة وهى معقد الإزار وموضع التكة من السراويل عبارة عن شدة الاتصال، وإذا جعلت الاستعانة عامة لم يكن اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة ولا المعونة مخصوصة بالعبادة، فلم يكن الاتصال بين الجمل بتلك المثابة (قوله هدى أصله أن يتعدى) فيه إشعار بأن لافرق بين المتعدى