بأن معنى تعريف الجنس الإشارة إلى حضور الماهية في الذهن وتميزها هناك عن سائر الماهيات، فإن المنكر وإن دل على ماهية معقولة متميزة في الذهن في الذهن حاضرة عنده إلى أنه لا إشارة فيه إلى تعينها وحضورها، فإذا عرف بلام الجنس فقد أشير إلى ذلك. والفرق بين حضورها وتعينها في الذهن وبين الإشارة إلى تعينها وحضورها هناك مما لا يخفى، وتوهم كثير من الناس أن معنى تعريف الجنس هو الاستغراق وبطلانه ظاهر، لأن معنى التعريف الإشارة إلى المعرفة والحضور، وليس هذا من الإحاطة والاستغراق في شئ، وكفالك شاهدا على ذلك استغراق نحو: لارجل، و: تمرة خير من جرادة، فقد تحقق الاستغراق في النفي والإثبات، وليس معه تعريف أصلا. فإن قلت: المصنف قد حمل المعرف بلام الجنس في مواضع من هذا الكتاب على الشمول والإحاطة وهو معنى الاستغراق بعينه، فكيف جعله ههنا وهما؟ قلت: الوهم كون الاستغراق معنى تعريف الجنس لا كونه مستفادا من المعرف باللام بمعونة المقام، فقوله يتوهمه: أي يتوهم أنه معنى تعريف الجنس بدليل قوله ما معنى التعريف فيه. وقوله ومعناه الإشارة وتحقيق الكلام أن معنى التعريف مطلقا هو الإشارة إلى أن مدلول اللفظ معهود: أي معلوم متعين حاضر في ذهن السامع يرشدك إلى ذلك ما فسر به المصنف تعريف الجنس ههنا وما صرح به الشيخ ابن الحاجب في الإيضاح من أن زيدا موضوع لمعهود بين المتكلم والمخاطب، ومن أن غلام زيد لمعهود بينهما بحسب تلك النسبة المخصوصة، وقول الأدباء المعرفة ما يعرفه مخاطبك والنكرة مالا يعرفه، وإجماعهم على أن الصلة يجب أن تكون جملة معلومة الانتساب للسامع، وإذا استقريت كلامهم وتحققت محصوله استوثقت بما ذكرناه، وقد صرح به بعض الفضلاء حيث قال: التعريف يقصد به معين عند السامع من حيث هو معين كأنه إشارة إليه بذلك الاعتبار، وأما النكرة فيقصد بها التفات النفس إلى المعين من حيث ذاته ولا يلاحظ فيها تعينه وإن كان معينا في نفسه، لكن بين مصاحبة التعيين وملاحظته فرق جلى، ومعهد في تصوير ذلك مقدمة هي أن فهم المعاني من الألفاظ بمعونة الوضع والعلم به، فلا بد أن تكون المعاني متصورة ممتازة بعضها عن بعض عند السامع، فإذا دل باسم على معنى فلا يخلو إما أن يكون ذلك الاعتبار: أي كون المعنى معينا عند السامع متميزا في ذهنه ملحوظا أولا، فالأول يسمى معرفة، والثاني نكرة، ثم الإشارة إلى تعيين المعنى وحضوره إن كانت بجوهر اللفظ تسمى علما، إما جنسيا إن كان المعهود الحاضر جنسا وماهية كأسامة، وإما شخصيا إن كان فردا منها كزيد أو أكثر
(٥٠)