الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٣٩
العرب لم تبق شيئا من الأشياء المعتبرة إلا سمته ولم تسم خالق الأشياء ومبدعها هذا محال وفيه بحث، لأنه إن أراد أن الله اسم لذاته تعالى لا يقصد به معنى الصفة حال إطلاقه عليه كما هو الظاهر من عبارته، فقد تم كلامه، ولا يجديكم نفعا لجواز أن يكون صفة في أصله ثم صار علما وإن أراد أنه اسم في أصله فإثباته مشكل لما عرفت من أن إلها إذا جعل اسما فليس موضوعا بإزاء ذاته تعالى، فلو كان الاختصاص العارض للاسم العام كافيا في تسميته تعالى في اللغة كان الاختصاص العارض للصفة كافيا فيها. لا يقال الاسم قبل الاختصاص أمكن أن يطلق عليه فتجرى عليه صفاته، بخلاف الصفة قبل اختصاصها فتبقى الصفات حينئذ غير جارية على الموصوف. لأنا نقول: لو كفى في إجراء الصفات التعبير عنه باسم عام فليعبر عنه باسم آخر كلفظ الشئ مثلا، ولا مخلص لمن يزعم أنه اسم في أصله إلا أن يقول لابد لجنس المعبود من اسم تجرى عليه صفاته فإنه معنى متعارف وليس له اسم سوى إله. ولك أن تقول الضمير في قوله " اسم هو أو صفة " راجع إلى الله، إلا أنه بين أسميته في الدليل الأول بنفي الوصفية عن أصله، وفى الدليل الثاني بنفي الوصفية عنه حال إطلاقه عليه تعالى سواء كان اسما في أصله أو صفة فيندع الإشكال بحذافيره، وعلى هذا الأنسب أن تكون الإشارة في قوله " ومن هذا الاسم اشتق " وقوله " هل لهذا الاسم اشتقاق " راجع إلى الله تعالى كما أن الضمير في قوله " هل تفخم لامه " راجع إليه (قوله هل لهذا الاسم) أي الإله أو الله (اشتقاق) من شئ فإنه المتبادر من العبارة. وأيضا قد فرغ من بيان كونه مشتقا منه فلم يبق إلا كونه مشتقا. فإن قلت: لم يذكر في الجواب إلا إثبات الاشتقاق بين الإله وآله ولم يعين مشتقا ولا مشتقا منه. قلت: اعتمد على مفهوم السؤال وسياق الكلام، وأيضا لما بين أن الإله يتضمن معنى أله فقد أذن بأن الإله مشتق من أله فان المشتق هو الذي يعتبر فيه معنى المشتق منه مع خصوصيته دون العكس (قوله معنى الاشتقاق) قال رحمه الله تعالى: عدل عن الجواب الظاهر وهو نعم إشارة إلى أن المبحث محل اختلاف لا يتهذب إلا بالتلخيص ليتميز الحق عن الباطل ولم يرد بما ذكره تحديد الاشتقاق حتى ينقض بمثل نصر وأعان، بل أراد أن الإشراك في المعنى كاف في إثبات اشتقاق الإله من أله لتوافقهما تركيبا. وقيل أراد تحديده واستغنى عن قيد التناسب في التركيب لشهرته. وقد يقال الصيغتان هما اللفظتان المختلفتان وزنا ففيه دلالة على تعدد الوزون، فلعل اختياره على الكلمتين أو اللفظتين إشعار باتحاد التركيب كأنه قال: أن ينتظم اللفظتين المتخالفتين وزنا المتوافقتين تركيبا. والقول بأن الصيغة مجرد الهيئة العارضة لجوهر الحروف فالمعنى: أن ينتظم الصورتين اللتين لهما مادة واحدة مردود بقوله صيغة هذا الاسم وصيغة قولهم إله لأن معنى التحير والدهشة ليس مدلولا لصورتهما العارضة لمادتهما (قوله ومن أخواته جملة اعتراضية أشار بهم إلى الاشتقاق الأكبر في أثناء بيان الاشتقاق الصغير فإن الهمزة والعين يتقاربان مخرجا والهمزة والدال يتشاركان في صفة الجهر. لا يقال: اشتقاق الإله من أله أيضا اشتقاق أكبر لأن همزة أله منقلبة عن الواو كما نص عليه الجوهري والهمزة تشارك الواو في الجهر. فقوله هل لهذا الاسم اشتقاق سؤال عن الاشتقاق الأكبر والجواب مطابق له ولذلك قال: ومن أخواته. لأنا نقول: الاشتقاق إذا أطلق يتبادر منه الصغير. والنزاع بين أئمة اللغة إنما وقع
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»