أعجبني الحمد لله فذكر ارتفاعه بالابتداء مع ظهوره ليتبين أن الظرف ههنا مستقر وقع خبرا له وليربط به بيان أصله أعني النصب. واعلم أن الجار والمجرور مطلقا يسمى ظرفا، لأن كثيرا من المجرورات ظروف زمانية أو مكانية، فأطلق اسم الأخص على الأعم. وقيل سمى بذلك لأن معنى الاستقرار يعرض له، فإن تقدير الكلام الحمد مستقر لله، وكل ما يستقر به غيره فهو ظرف له. قال المصنف: ولأن الحمد لما اختص بالله صار كأنه مستقر وكل مستقر ظرف، وأنت تعلم أن اعتبار عروض معنى الاستقرار في مثل قولك: رميت عن القوس مستبعد جدا فيحتاج إلى تسمية الأعم بالأخص (قوله وأصله النصب) المصادر أحداث متعلقة بمحالها كأنها تقتضى أن يدل على نسبتها إليها، والأصل في بيان النسب والتعلقات هو الأفعال فهذه مناسبة تستدى أن تلاحظ مع المصادر أفعالها الناصبة لها، وقد تأيدت هذه المناسبة في مصادر مخصوصة بكثرة استعمالها منصوبة بأفعال مضمرة، فلذلك حكم بأن أصله النصب وأيده بأنه قراءة بعضهم، وإنما قال (في معنى الإخبار) لأن بعضها في معنى الإنشاء كقوله: سبحان الله ومعاذ الله، ولذلك فصلهما. وقيل لأن المصدر فيهما معرفة، أو لأنه غير متصرف أي لا يستعمل إلا منصوبا (قوله ينزلونها) بيان وتأكيد لقوله تنصبها: أي ينزلون تلك المصادر (منزلة أفعالها) لفظا (ويسدون بها مسد أفعالها) معنى فقد استوفت الأفعال حقوقها في اللفظ والمعنى، فلا يستعملون المصادر مع أفعالها، أو لا يستعملون أفعالها معها، ويجعلون استعمال أحدهما مع الآخر كاستعمال الشريعة المنسوخة في أنه خروج عن طريقة مسلوكة إلى طريقة مهجورة يستنكرها المتدين بعقائد أهل اللغة في قواعدها (قوله والعدل بها) أي العدول بتلك المصادر (قوله رفع السلام الثاني) أي حكى رفعه في القرآن (للدلالة) على ذلك، وأما رفع إبراهيم عليه السلام فلتكون تحيته أحسن من تحيتهم لا للدلالة عليه (دون تجدده) لما كان الرفع دالا على الثبوت مجردا عن قيد التجدد والحدوث ناسب أن يقصد به الثبات والدوام بمعونة المقام، بخلاف النصب المستلزم لتقدير الفعل الدال بوضعه على الحدوث والتقضي (قوله والمعنى نحمد الله حمدا) أراد به أن أصل المعنى ذلك: أي الفعل المقدر حال كون حمدا منصوبا هو المضارع لدلالته على الحال الذي هو أهم الأزمنة وأولاها ببيان ما هو واقع فيها ولإنبائه عن الاستمرار في الجملة مع نون الحكاية لما مر من أنه مقول على ألسنة العباد، ولم يرد معناه حال كونه مرفوعا وإلا لفاتت نكتة العدول إلى الرفع لأن المضارع لا يقيد الاستمرار تجدديا في بعض المواضع والمقصود بالعدول استمرار ثبوتي ولذلك قال أولا على إثبات المعنى واستمراره، وقال ثانيا على معنى إثبات السلام، وأيضا لو أفاد الفعل المقدر ما يستفاد من الرفع لم يكن للعدول معنى (قوله ولذلك) استدلال بقوله تعالى - إياك نعبد وإياك نستعين -
(٤٨)