الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٢٩
وعنف فههنا أقحم تيم الثاني بين المضاف وهو تيم الأول والمضاف إليه وهو عدى وإنما جاز حذف التنوين من الثاني وإن لم يكن مضافا لأن التأكيد اللفظي في الأغلب حكمه حكم الأول وحركته إعرابية كانت أو بنائية فكما حذف التنوين من الأول حذف من الثاني وجاز الفصل به في السعة بين الأول وما أضيف إليه وإن لم يجز ذلك إلا في الضرورة وبالظرف خاصة لأنه لما كرر الأول بلفظه وحركته فكأنه هو بعينه فلا فصل ألا ترى أنك تقول أن إن زيدا قائم مع امتناع الفصل بين إن واسمها إلا بالظرف وكذلك تقول لا لا رجل في الدار مع أن النكرة المفصولة عن لا يجب رفعها نحو لا فيها غول - (قوله وكإقحامهم) ذهب الخليل وسيبويه وجمهور النحاة إلى أن لا أبالك مضاف حقيقة باعتبار المعنى وإن هذه اللام الظاهرة تأكيد للقدرة التي كانت الإضافة بمعناها فيكون الفصل بها بين المضاف والمضاف إليه كلا فصل على قياس يا تيم تيم عدى واعترض عليهم بأنه لو كان مضافا حقيقة لكان معرفة فوجب رفعه وتكريره وتقدير الخبر أيضا ودفع بأن العرب قصدوا نصب هذا المعرف بلا من غير تكرير تخفيفا ففصلوا بينهما لفظا حتى يصير المضاف كأنه ليس بمضاف فلا يستنكر نصبه وترك تكريره لوروده على صورة النكرة وأما الخبر فمقدر عاما. أي لا أبالك موجود فإن قيل قد اتفقوا على أن لا أبالك بمعنى لا أبالك والثاني نكرة اتفاقا فكذا الأول أجيب بأنهم اتفقوا على أن فحوى الجملتين سواء لا على أن لا أبالك ولا أب لك بمعنى واحد وقد تنفق الجملتان في المقصود مع أن المسند إليه في إحداهما معرفة وفى الأخرى نكرة كما في قولك لا كان أبوك موجودا ولا كان لك أب (قوله ولعل للترجي أو الإشفاق) أي هي موضوعة لإنشاء توقع أمر إما مرغوب ويسمى ترجيا ومرهوب ويسمى إشفاقا ثم كل واحد منهما يكون من المتكلم كما في المثالين الأولين وهو الأصل لأن معاني الإنشاءات قائمة به ويكون من المخاطب، وهو أيضا كثير لتنزيله منزلة المتكلم في التلبس التام بالكلام كما في المثال الثالث والرابع ولما لم يكن الإشفاق من قرب الساعة ظاهرا استشهد له بالآية وقد يكون من غيرهما ممن له نوع تعلق بالكلام كأنها جردت لمطلع التوقع كما في قوله تعالى فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك على أحد الوجهين وهو أنك قد بلغت من التهالك على إيمانهم مبلغا يرجون أن ترك بعض ما يوحى (قوله وقد جاءت) عطف على قوله ولعل الترجي أو الإشفاق أي أنها قد إستعملت في مواضع من القرآن للإطماع أي الإيقاع في الطمع وذلك لقرب الطمع من الرجاء فكان الإطماع هو الترجية ولم يرد أنها في تلك المواضع مستعملة في حقيقة الإطماع كما في قولك تعالى إلى لعلى أكرمك بل أراد أنها هناك للتحقيق إلا أنه أبرز في صورة الإطماع إما لإظهار أنه لا فرق بين إطماعه في شئ وبين جزمه بإعطائه فإن غاية الجود وكمال
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»