الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٣٢
تعلقه بالأقرب الذي هو خلقكم لأن تعلقه باعبدوا يستلزم توسط الحال من فاعله بين وصفى مفعوله فإن الذي جعل لكم الأرض فراشا صفة لربكم بحسب المعنى حقيقة وإن جعل منصوبا أو مرفوعا على المدح والتعظيم وأيضا لا طائل في تقييد العبادة برجاء التقوى لأن رجاء الشئ ينافي حصوله حال الرجاء بل المناسب تقييدها بنفس التقوى أي اعبدوه متقين أو عطفها عليها أي اعبدوه واتقوه ولا مساغ للحمل على رجاء ثواب التقوى لإخراجه الكلام عن سننه كما لا يخفى وأما تقدير الرجاء ففيه أن المقدر حال الخلق هو التقوى لا رجاؤها كما يدل عليه قوله تعالى - وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وأيضا كثير من الناس لا يرجون التقوى ولا يخطرونها بالبال فكيف يقيد الخلق بتقدير رجائها (قوله فلم قصره عليهم) حيث لم يقل لعلكم وأياهم ليتجاوب طرفا النظم أي ليتناسبا كأن كلا منهما يجيب الآخر والمراد تلاؤم أول الكلام وآخره إذ معناه حينئذ اشتغلوا بالأمر الذي خلقتم لأجله مع الاشتمال على الصيغة البديعية وما في النظم يوهم أن المعنى اشتغلوا بما خلقتم لغيره وهو متنافر وحاصل الجواب أن الملاءمة حاصلة بحسب المعنى مع مبالغة تامة في إلزام العبادة كما صورها في المثال فإن الأخذ بالأشق الأصعب يسهل الشاق الصعب ويعين على تحصيله فإن قيل قوله للاستيلاء على أقصى غايات العبادة يدل على أنه جعل لعل للتعليل بمعنى كي وكذلك قوله فيما بعد أي خلقكم لكي تتقوا يدل على ذلك فيكون إثباتا لما نفاه أولا قلنا قد بين أنها مستعارة للإرادة فإما أن يجعل مفعولا لأجله: أي خلقكم لإرادة التقوى فيكون التعليل مستفادا من كيفية ربطها بالسابق أو يجعل حالا فيكون ما ذكره محصول المعنى فإن خلقهم في حال إرادة التقوى منهم في معنى خلقهم لأجل التقوى وقس على ذلك ما يرد عليك في الكشاف من تفسير لعل بالإرادة أو بمعنى كي ولما لم يصح عند الأشاعرة استعارة لعل لإرادة الله تعالى لاستلزامها وقوع المراد ولا للتعليل عند من ينفى تعليل أفعاله تعالى بالأغراض مطلقا وجب أن يجعل مجازا عن الطلب الذي يغاير الإرادة ولا يستلزم حصول المطلوب أو عن ترتب الغاية على ما هي ثمرة له فإن أفعاله تعالى يتفرع عليها حكم
(٢٣٢)
مفاتيح البحث: مدرسة الأشاعرة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»