(أقرب) بتقدير القول على المشهور، والجملة حال: أي فما باله ينادى الله بيا والحال أنه ليس ببعيد ولا مما يتوهم فيه ذهول، وليس أيضا بعد النداء خطاب يعتنى به جدا. ويوجد في بعض النسخ أسمع وأبصر على صيغة أفعل التفضيل. والجواب أن القريب كما ينزل منزلة البعيد لمعنى فيه كما عرفت فقد ينزل أيضا منزلته لمعنى راجع إلى المتكلم، وهو أن لا يرى نفسه أهلا لقربها من المنادى تحقيرا لها. يقال استقصره عده مقصرا واستبعده عده بعيدا (وما يقر به) عطف على مظان، وقوله هضما: أي كسرا، وما عطف عليه مفعول له للاستقصار، والاستبعاد إما معا وإما على نشر غير مرتب. فإن قيل: كان الواجب عليه أن يعد هذا المعنى في المعاني السالفة. أجيب بأنه لما لم يكثر كثرة تلك المعاني ولم يحسن أيضا إلا في ندائه الله تعالى أفرده عنها في جواب سؤال تقريرا له وتوضيحا، وقوله (مع فرط التهالك) حال من الضمير في (منه) أي المتضرع إلى الله تعالى يستعمل نداء البعيد إشارة إلى بعده عن مرتبة المدعو وإلى شدة حرصه على استجابة دعائه (قوله والإذن) أي الاستماع لندائه كالاعتناء التام بشأن الخطاب الذي يتلوه فيما سبق، ولا يخفى عليك أن الداعي لله لا يقصد بندائه طلب إقباله عليه ولا مزيد التفاته إليه، بل يقصد به توجه قلبه إلى ربه وجواره لديه وتضرعه بين يديه لينال بذلك ما يقر به إليه ويسعده في داريه (قول وأي وصلة) لما استكرهوا اجتماع آلتي التعريف تعذر عليهم نداء المعرف باللام فتوصلوا إليه باسم مبهم يحتاج إلى ما يزيل إبهامه، فجعلوه منادى في الصورة وأجروا عليه تابعا له، والمقصود بالنداء: أي المعرف بالنداء الذي يزيل إبهامه ويمتاز به ذات المنادى، والتزموا رفعه تنبيها على أنه المقصود بذلك، ثم ذلك الاسم المبهم هو: أي مقطوع الإضافة واسم الإشارة إذ كل منهما مبهم يجب إزالة إبهامه وضعا إلا أن أيا أدخل في الإبهام، فإن اسم الإشارة إذا وقع منادى قد يكتفى في إزالة إبهامه بالإشارة الحسية فيستغنى عن الصفة فيقال يا هذا بخلاف أي إذ لا بد له في النداء من وصف تتعين به ذاته، وهو اسم الجنس لأنه يدل على الحقيقة المعينة أو ما يجرى مجراه، وهو على أقسام:
الذي ومتصرفاته، واسم الإشارة موصوفا بذى اللام نحو ياأيهذا الرجل، وأسماء الأعلام مثناة ومجموعة، فأي في النداء لا تكون إلا وصلة لذي اللام أو لاسم الإشارة مردوفا بذى اللام. وقوله (حتى يضح) من الوضوح أي يتضح (المقصود بالنداء) وتتعين ذاته، والفائدة الأولى معاضدة كلمة التنبيه حرف النداء ومكانفته: أي معاونتها إياه لتقاربهما في المعنى، فإن حرف النداء فيه إيقاظ للمنادى وإعلام بأنه المدعو، وحرف التنبيه يقوى ذلك الإيقاظ. والثانية (وقوع كلمة التنبيه عوضا) فإن أيا حقه أن لا يخلو عن المضاف إليه أو تنوين يقوم مقامه نحو