الناس فإن المنادى مخاطب بمنزلة ضمير المخاطب وإن كان لفظه في الأصل للغيبة، وفى قوله عن ثالث لكما إشارة إلى حضور ذلك الثالث عندكما ليكون سامعا لطريقى الغيبة والخطاب معا لتظهر فائدة الالتفات على ما ذكره (قوله نبهته بالتفاتك) جواب إذا قلت، وأوجدته من وجدت الضالة وأوجدتها غيري: أي جعلته واجدا أمرا (هازا) أي محركا (من طبعه) نحو الإصغاء والقبول للنصيحة (لا يجده) أي ذلك الهاز (إذا استمررت على لفظ الغيبة) وقلت مثلا: من حق فلان أن يلزم الطريقة الحميدة، فذكر أولا فائدة خصوصية الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في هذا المقام، وثانيا فائدة الالتفات مطلقا بقوله وهكذا الافتنان (وبلغنا) عطف بحسب المعنى على قوله (لما عدد الله الخ) أي الظاهر أن الخطاب عام للفرق كلها، وبلغنا ما يدل على اختصاصه بمشركى مكة. واستشكل هذا بأن سورة البقرة مدنية فكيف تكون هذه الآية منها مكية؟ وأيضا لا يلزم من كونها مكية أن يكون الخطاب مختصا بمشركيها، بل يجوز أن يعم غيرهم من المؤمنين وسائر الكفار، فلا يصح تفريع الاختصاص بهم على كونها مكية. ودفع بأن كون السورة مدنية لا ينافي كون هذه الآية مكية مخصوصة بمشركيها حملا لقوله " اعبدوا " على ما هو المتبادر منه: أعني الأمر لإحداث أصل العبادة، وبأن معنى ما نقله أن كل حكم وخطاب نزل فيه يا أيها الناس فهو مكي: أي متعلق بمشركى مكة، سواء كان نزوله بها أو بالمدينة فيتم ما ذكره (قوله صوت) أي لفظ أو كلمة وهو خبر اخر أو بدل من حرف وكأن في التعبير عنه بالصوت بعد التصريح بكونه حرفا إشارة إلى أنه في أصله كان صوتا يصدر عنهم طبعا عند القصد إلى النداء كلفظة أح عند التوجع، ثم وضعوه له كما في بعض أسماء الأفعال، والباء في به للالة وفى بمن يناديه صلة (يهتف) يقال هتف بالرجل هتافا: أي صاح به (قوله فذاك للتأكيد المؤذن) يعنى أن تأكيد طلب الإقبال والمبالغة مع الاستغناء عنه نظرا إلى حال المخاطب (القريب المفاطن) يؤذن الاعتناء بشأن الخطاب، كأنه أريد مزيد توجهه إليه وتلقيه له وأن لا يبقى هناك توهم ذهو له عنه (قوله فما بال الداعي أي ما ذكرته من المعاني لا يتصور ههنا، فما الوجه فيه؟ وقوله (وأسمع به) صيغة تعجب معطوفة على
(٢٢٤)