الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٣١
للإطماع أصلا لأنه إنما يكون فيما يتوقعه المخاطب من المتكلم ويرغب فيه وليست التقوى كذلك فإنها من أفعالهم وشاقة عليهم (قوله ولكن لعل واقعة في الآية موقع المجاز) الذي هو استعارة لا موقع الحقيقة وقد يتوهم من هذه العبارة أنها حقيقة في جميع المعاني السابقة (قوله فهم في صورة المرجو منهم أن يتقوا) يفهم من هذا مشابهتهم للمرجو منهم ومشابهته تعالى للراجى وإن هنالك حالة شبيهة بالرجاء وهى إرادته تعالى منهم التقوى فإما أن تعبير هذه الإرادة وحدها ويستعار لها الكلمة الموضوعة للترجي بالجامع الذي سيفصله فيكون في لعل استعارة تبعية حرفية وإما أن يلاحظ هيئة مركبة من الراجي والمرجو منه ورجائه فيكون هناك استعارة تمثيلية قد صرح من ألفاظها بما هو العمدة في حصول الهيئة بلا مجاز حينئذ في لعل كما أوضحناه فيما سبق من نظائرها وكلام الكشاف محمول على الأول كما دل عليه حكمه بأن لعل في الآية مجاز إلا أنه راعى الأدب فلم يصرح بنسبة التشبيه إليه تعالى ولا إلى إرادته بل صرح بالمشابهة بين العباد والمرجو منهم ليفهم ضمنا مشابهة إرادته للترجي يشهد به قوله في آلم السجدة ولعل من الله إرادته ويؤيده قوله ههنا شبه بالاختيار بناء أمرهم على الاختيار وأيضا ليس تظهر المشابهة بين الإرادة والترجي إلا باعتبار حال متعلقهما أعني المكلف والمترجى منه فذكر التشبيه بين حاليهما لتظهر تلك المشابهة في أن متعلق كل من الإرادة والترجي يترجح أي يتردد بين أن يفعل وأن لا يفعل مع رجحان ما لجانب الفعل، فإنه تعالى لما وضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الطاعة كما هو مذهب الاعتزال، ونصب لهم أدلة عقلية ونقلية داعية إليها ووعد وأوعد وألطف بما لا يحصى كثرة لم يبق للمصنف عذر وصار حاله في رجحان اختياره للطاعة مع تمكنه من المعصية كحال المترجى منه في رجحان اختياره لما يرتجى منه مع تمكنه مع خلافه وصار إرادة الله لعبادته واتقائه بمنزلة الترجي فيما ذكرناه وقد استقصينا في شرح المفتاح الكلام في الاستعارة التبعية في أمثال هذا المقام يقال تعبده اتخذه عبدا يمتثل أوامره ونواهيه (قوله وركب فيهم العقول) الداعية إلى الطاعات والشهوات الباعثة على المعاصي (قوله وأزاح العلة) أي أزالها فلم يبق لهم عذر من الأعذار التي من شأنها أن يتمسك بها (والنجدان) طريقا الخير والشر والترجيح التردد والتميل وهو وجه الشبه كما عرفت وإنما قال ومصداقه لأن نسبة الابتلاء إليه تعالى مصرح بها فلا بد من حمله على المجاز المبنى على التشبيه لا يقال يجوز حمل لعل على الترجي من العباد متعلقا باعبدوا أي اعبدوه راجين وصولكم إلى التقوى التي هي أعلى مراتب العبادة أو بخلقكم على أنه حال مقدرة أي خلقكم مقدرا رجاءكم للتقوى فالتقدير منه تعالى حال الخلق الرجاء من العباد بعد حين كما في قوله تعالى - وبشرناه بإسحاق نبيا - أي مقدرا نبوته. لأنا نقول بنى المصنف كلامه على تقدير
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»