الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢١٤
في وجوب العصيان. وذهب بعضهم إلى أن كلمة أو ههنا على بابها أعني أنها لأحد الأمرين، وإنما جاء التعميم في عدم الإطاعة من النهى الذي فيه معنى النفي، إذ المعنى قبل وجود النهى تطيع اثما أو كفورا: أي واحدا منهما فإذا نهى صار المعنى: لا تطع واحدا منهما فيعم. وقيل هي بمعنى الواو. ويرده ما ذكره في سورة الإنسان من أنه لو قيل لاتطعهما لجاز أن يطيع أحدهما، وإذا قيل لاتطع أحدهما علم أن الناهي عن طاعة أحدهما ناه عن طاعتهما جميعا، كما يعلم من تحريم التأفيف تحريم الضرب. وحاصله أن العطف بالواو يفيد النهى عن الجميع دون كل واحد وبأو يفيد النهى عن كل واحد منفردا صريحا ومعا بطريق الأولى (ويقال للسحاب صيب) أي على أنه صفة له (أيضا) وأول البيت * عفا آية نسج الجنوب مع الصبا * أي محا اثار المنزل هبوبهما، شبه اختلافهما بنسج الحائك الثوب فجعل إحداهما بمنزلة السدى والأخرى بمنزلة اللحمة (وأسحم) أي سحاب أسود (دان) قريب من الأرض (صادق الوعد) أي غير خلب (صيب) هطال، وهذه الأوصاف ظاهرة الثبوت في السحاب دون المطر بل الدنو وصدق الرعد كأنهما نصان فيه، وإنما كان (الصيب أبلغ) لكونه من صيغ الصفة المشبهة (موج مكفوف) أي ممنوع من أن يسيل، وقد روى أنه صلى الله عليه وآله قال " أتدرون ما فوقكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال:
فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف " (والدليل عليه) أي على أن كل أفق من افاقها سماء (قوله ومن بعد أرض) أوله: * فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها * أوه كلمة توجع تستعمل مع اللام ومن: أي توجعت لذكر الحبيبة ومن بعد ما بيني وبينها من قطع أرض وقطع سماء تقابل تلك البقعة الأرضية فنكرهما إذ لا يتصور بينهما بعد جميع الأرض والسماء، ولما صح إطلاقها على كل ناحية وأفق منها جئ بها معرفة باللام لتفيد العموم، ويدل على أنه غمام مطبق اخذ بأفاق السماء، ولو نكرت لجاز أن يكون الصيب من بعض الآفاق (قوله كما جاء) يعنى لما كان في صيب مبالغات (من جهة التركيب) أي مادته الأولى: أعني الحروف، فإن الصاد من المستعلية والياء مشددة والباء من الشديدة. ومادته الثانية أعني الصوب فإنه نزول له وقع وتأثير (ومن جهة البناء) أي الصورة، فإن فيعلا من الصيغ الدالة على الثبوت و (من جهة التنكير) العارض لأنه للتعظيم والتهويل كتنكير النار في التمثيل الأول، بولغ فيه أيضا باعتباره ما يجاوزه فجئ بالسماء معرفة دلالة على ما ذكره من التطبيق (قوله وفيه) يريد أنه أدمج في ذكر السماء نكتة أخرى مبنية على القول بأن السحاب إما من السماء أو من البحر،
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»