نوره يشير إلى أن الضمير على هذا التقدير راجع إلى البرق بتقدير المضاف وفاعل اشتد هو المشي وفاعل ازداد هو الاشتداد (قوله ما همهم به معقود) لا ينافيه ما تقدم من قوله والجهل بما يأتون وما يذرون لأنه كناية عن شدة الأمر تأكيدا لغاية الحيرة، فلا ينافي عقد الهم، ولأن معناه لا يعلمون كيف يأتون ما يأتون وكيف يذرون ما يذرون مع كوتهم حراصا على المشي (قوله وهو الظاهر) لكثرة استعماله وإن كان ههنا مجارا عن خفية البرق واستتاره، لأن المتعدى لم يوجد في استعمال من يستشهد بكلامه، ولم يذكره الثقات من نقلة اللغة إلا القليل. قال الأزهري: كل واحد من أضاء وأظلم يكون لازما ومتعديا. ونقل عن الليث أنه يقال: أظلم فلان علينا البيت إذا أسمعك ما تكره من ظلم الليل بالكسر نقله الجوهري والأزهرى عن الفراء (قوله وتشهد له) رد هذه الشهادة بجواز كونه لازما ومسندا إلى الظرف. وأجيب بأن عليهم مقابل لهم في أضاء لهم، فإن جعلا مستقرين لم يصلح عليهم أن يقوم مقام الفاعل أصلا، وإن جعلا صلتين للفعلين على تضمينهما معنى النفع والضرر صلح لأن يقوم مقام فاعل المضمن دون المضمن فيه، وعلى تقدير صلوحه لذلك فعطف إذا أظلم على كلما أضاء على معنى كونهما جوابا للسؤال عما يصنعون في تارتى خفوق البرق وخفيته يقتضى أن يكون أظلم مسندا إلى ضمير البرق كأضاء على معنى كلما نفعهم البرق بإضاءته افترصوا، وإذا أضرهم لإظلامه واختفائه دهشوا. وقد يجاب أيضا بأن بناء الفعل للمفعول من المتعدى بنفسه أكثر فالحمل عليه أولى (قوله هما أظلما) قبل هذا البيت:
أحاولت إرشادي فعقلي مرشدى * أم استمت تأديبي فدهري مؤدبي وقوله هما راجع إلى العقل والدهر، وقيل إلى ارشاد العاذلة وتأديبها. والإستيام: التطلب، افتعال من السوم.
وأراد بحاليه ما يتواتر عليه من المتقابلين كالخير والشر والغنى والفقر والصحة والمرض والعسر واليسر والمقصود التعميم، وإنما أسند الإظلام إلى العقل لأن العيش لا يطيب لعاقل، وإلى الدهر لأنه يعادى كل فاضل (قوله أجليا) أي كاشفا ظلاميهما، وقوله عن وجه أمرد أشيب من قبيل التجريد: أي عن وجهي وأنا شاب في السن وشيخ أشيب في تجربة الأمور وعرفانها، أو أشيب في غير أوانه لمقاساة الشدائد، والهمزة في أجليا للإنكار: أي ما كان ينبغي أن تتجشمى في الإرشاد والتأديب والفاء تعليل لمحذوف: أي لا تحاولى شيئا منهما فإن في العقل والدهر كفاية منهما، ولو روى بالواو الحالية لم يحتج إلى تقدير فليتأمل (قوله وإن كان محدثا) الشعراء على أربع طبقات:
الجاهليون كامرئ القيس وطرفة وزهير. والمخضرمون الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كحسان ولبيد،