الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٠٧
ثلاثون ألف مقاتل، فصلت الفجر وقرأت البقرة. وبقى ههنا بحث وهو أنه لا نزاع في أن تقدير الآية هم صم لكن مع ذلك ليس المستعار له مذكورا ههنا لأنه أحوال مشاعر المنافقين وحواسهم لا ذواتهم كما دل عليه قوله كانت حواسهم سليمة الخ، ففي هذه الصفات استعارة تبعية مصرح بها، فلا ينبغي أن يختلف فيها لأنه أستعير مصادرها لتلك الأحوال، ثم اشتقت هي منها، فإما أن يجاب بأنها صارت في عداد الأسماء فينافيه قوله إلا أن هذا في الصفات وذاك في الأسماء، أو بأن قوله هم صم في قوة قولنا حال أسماعهم صمم مثلا، وهو أيضا بمحل مستغنى عنه، فإن قولك لقيت صما استعارة قطعا مع أن تقديره أشخاصا صما، وهو في قوة الحمل. وغاية ما يتكلف له أن يقال تشبيه ذوات المنافقين بذوات الأشخاص الصم متفرع على تشبيه حالهم بالصمم، فكان القصد إلى إثبات هذه الفروع أقوى وأبلغ، كأن المشابهة بين الحالين تعدت إلى الذاتين، فحمل الآية على التشبيه رعاية للمبالغة في إثبات الآفة، وإليه الإشارة بقوله جعلت كأنها إيفت مشاعرهم، وإلا فمقتضى ظاهر الصناعة الحمل على الاستعارة بتبعية المصادر (قوله ومعنى لا يرجعون) هذا المعنى إنما هو على التفسير الأخير، وقد اكتفى بتقدير إحدى الصلتين لأن الأخرى منه معلومة (تسجيلا) مفعولا له لقال مقدرا قبله، وقوله (أو أراد) يعم التفاسير، ويدل على أن لا يرجعون من قبيل التشبيه كقوله صم (قوله ثم ثنى) معطوف على قوله عقبها بضرب المثل. والغب في الورد والزيادة، والمعنى أن يحصل ذلك يوما دون يوم واستعمله ههنا بمعنى عقيب: أي إيضاحا عقيب إيضاح وعلى أثره (قوله وكما يجب) أصل الكلام أن يقال ويجب (على البليغ) أن يفصل ويشبع في مواردهما كما يجب عليه (أن يجمل ويوجز) في مظانهما إلا أنه قدم المشبه به: أعني كما يجب فصار مقارنا للعاطف، ثم كرره بقوله (كذلك) لطول الكلام ووضع في المشبه لفظ الواجب مكان يجب عليه مبالغة فصار هو عاملا في المصدر:
أعني كما يجب، وزيد الفاء في كذلك كأن المشبه به المقدم نزل منزلة الشرط، وقيل إذا وجب ذلك فقد وجب هذا أيضا، والواو في قوله (وكما) لعطف ما بعدها على ما بعد ثم، والحكم بأن هذا الواو للاستئناف وأن الكاف في كما مرفوع المحل على الابتداء، وكلمة ما موصولة، ولذلك دخلت الفاء في الخبر ظاهر البطلان، وقوله (أنشد الجاحظ) استشهاد معنوي يصف قوما بالبلاغة وأنهم يطنبون تارة ويوجزون أخرى كلا في موقعه، يقال رمى بالشئ: إذا ألقاه (وحى الملاحظ) نصب على المصدر: أي وتارة يوحون: أي يأتون بكلام سريع خفى،
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»