مع المذكور بلا تغيير كما في الآية الثانية وكالآية التي نحن فيها، وربما لا ينتظم معه إلا بتغيير نظامه كقوله تعالى - وما يستوى البحران - (قوله والصحيح الذي عليه علماء البيان) هو عطف على قوله لقائل أن يقول: وليس تتمة للجواب بل مزيد تحقيق للمقام. ويظهر منه أن التفريق الذي ذكره في التمثيلين احتمال لفظي قد يذهب إليه أهل الظاهر من النحاة. وأما عند الطائفة الذين يحافظون على جزالة المعاني فلا مساغ له، وذلك لأنه يحصل في النفس من تشبيه الهيئات المركبة ما لا يحصل من تشبيه مفرداتها فإنك إذا تصورت حال من أخذتهم السماء في ليلة تتكاثف ظلماتها بتراكم السحب وانتساج قطراتها وتواتر فيها الرعود الهائلة والبروق المخيفة والصواعق المختلفة المهلكة وهم في أثناء ذلك يزاولون غمرات الموت حصل في نفسك هيئة عجيبة توصلك إلى معرفة حال المنافقين على وجه يتقاصر عنه تشبيهك الدين بالصيب والشبهات بالظلمات إلى آخر ما عرفته هناك. ولعبد القاهر كلام مشهور في أن اعتبار التركيب في قول الشاعر وكأن أجرام النجوم لوامعا * در نثرن على بساط أزرق أحق وأولى وإن صح التشبيه بين مفرداته. وقال السكاكي كلما كان التركيب خياليا كان أو عقليا من أمور أكثر كان حاله في البعد والقرابة أقوى وأيضا في تشبيه للمفردات وطى ذكر المشبهات تكلف ظاهر وأيضا في لفظ المثل نوع إنباء عن التركيب إذ المتبادر منه القصة التي هي في غرابتها كالمثل السائر وهى في الهيئة المركبة دون كل واحد من مفرداتها وقد يقال أيضا نظم الكلام في التمثيلين يدل على ارتباط المعاني بعضها ببعض فإن الفاء وكلمة لما يدلان على اعتبار التأليف وقوله فيه ظلمات صفة لصيب ويجاب عنه بأن المفرقات المشبهة بنظائرها قد يعتبر الارتباط فيما بينها فلا دلالة على التركيب (قوله لا يتخطونه) تأكيد للصلة، و (لا يتكلف) خبر آخر لأن والعاتد محذوف: أي فيهما أو تقرير للخبر الأول والضمير في (شبهه) راجع إلى شئ وفى (به) إلى واحد وقوله (لم يأخذ هذا بججزة ذاك) إشارة إلى أنه لم يعتبر التأليف بين تلك الأشياء على وجه بحيث يصير الكل أمرا واحدا ملحوظا في نفسه ملاحظة واحدة بلا تفصيل بين أجزائه فلا ينافي اعتبار الارتباط بينها على وجه آخر كما مر (قوله وتشبه) عطف على (تأخذ) مع ما عطف عليه بالفاء أعني (فتشبهها) وأراد بالكيفية هيئة مركبة من أمور متعددة وفى قوله (حتى عادت شيئا واحدا) تصريح بأن كل واحد من تلك الأشياء ينبغي أن يلاحظ قصدا ويضم إلى صاحبه بحيث يقع على مجموعها ملاحظة واحدة فيصير بذلك شيئا واحدا ولا يتصور القصد إليها كذلك إلا بألفاظ مذكورة أو مقدرة أو منوية ألا ترى أن المفكر يناجى نفسه بألفاظ متخيلة وإذا فرض أن لفظا واحدا وضع لمعنى مركب ولوحظ به ذلك المعنى قصدا وشبه بمعنى آخر مثله لم يكن ذلك من التشبيه المركب
(٢١١)