كمال من يلاحظ حبيبه: أي ينظر إليه بمؤخر عينيه خوفا من الرقباء وكلمة " لا " في قول (ولا الظلمات ولا النور ولا الظل) مذكرة للنفي مؤكدة له كما في قولك ما جاءني زيد ولا عمرو، وأما التي في قوله تعالى - ولا النور ولا الحرور ولا الأموات - فليست كذلك، إذ لا يصح أن يقدر بعدها ذلك الفعل المنفى: أعني يستوى لأن فاعله مجموع هذين المتقابلين لا كل واحد منهما فهي زائدة محضة. وقد يقال قصد نفى الاستواء من كل منهما مقيسا إلى الاخر كأنه قيل: ولا يستوى الظلمات مع النور ولا النور مع الظلمات (قوله ألا ترى) يروى بغير واو فيكون كالبيان لما تقدم وضعفه ظاهر. والأولى العطف نظرا إلى جانب المعنى: أي ألا ترى إلى ما ثنى في التنزيل، وألا ترى إلى قول ذي الرمة لتعلم كيف صنع في قصيدته حيث قال (أذاك أم نمش) وقد يقال أذاك في عبارة المصنف مفعول (صنع) أي كيف صنع هذين التمثيلين (والنمش) بفتح الميم نقط بيض وسود وثور نمش القوائم بكسرها أي فيها خطوط سود، وقوله (بالوشى) إما ظرف مستقر وقع صفة لنمش: أعني لموصوفه المذكور (وأكرعه) فاعل له، وإما لغو وأكرعه فاعل نمش: أي منتقش بالوشى أكرعه وبعده * مسفع الخد غاد ناشط شبب * ثم قال بعد أبيات:
أذاك أم خاضب بالسني مرتعه * أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب (والمسفع) الأسود من السفعة وهى سواد في احتراق (والغادى) الذاهب (والناشط) هو الذي يخرج من أرض إلى أخرى فرحا ونشاطا. وفى الصحاح قال الأصمعي (الشبب) هو المسن، من ثيران الوحش الذي انتهى أسنانه، وقال أبو عبيدة: هو الذي انتهى شبابا. وفى المجمل هو الفتى من ثيران الوحش، والمقصود واحد وهو ما تكامل سنه وبلغ غاية قوته (والخاضب) هو الظليم: أي الذكر من النعام إذا أكل الربيع احمرت ساقاه أو اصفرتا، والسى المستوى من الأرض، وهو ههنا علم أرض بعينها، شبه أولا ناقته بحمار الوحش ثم قال: أذاك الحمار الذي مضى ذكره في الأبيات السابقة يشبه ناقتي أم ثور وحشى، وأذاك الثور الوحشي يشبهها أم نعام ذكر له أفراخ ثلاثون، دخل في المساء وهو منقلب إليها وهو أسرع ما يكون، وإنما أدخل همزة الاستفهام مع عديلتها بين هذه التشبيهات دلالة على تحيره في وصف هذه الناقة وسرعة سيرها كأنه يسأل عن ذلك. وقيل دلالة على التسوية فذاك الأول إشارة إلى الحمار، والثاني إلى الثور والنمش، وهو مبتدأ خبره محذوف كما أشرنا إليه، ولا يجوز أن يجعل خبر مبتدأ محذوف: أي أناقتى ذاك، لأن معادل النمش الحمار لا الناقة، كما أن معادل الظليم هو النمش دونها (قوله وإظهاره الإيمان بالإضاءة) اعتراض عليه بأنه يخالف ما تقدم من أن المشبه بالإضاءة هو الانتفاع