الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٠٥
بالكلام بل بلفظ المشبه به المذكور فيه معناه الحقيقي الذي هو (المنقول عنه) ومعناه المجازى الذي هو (المنقول إليه لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام) أي لولا دلالة القرينة الحالية أو المغالبة الدالة على تعيين المعنى المجازى بحسب الإرادة. واعترض عليه بأنه إذا عدمت القرينة لم يصلح اللفظ للمعنى المجازى. وأجيب بأنه صالح في نفسه مع قطع النظر عن عدمها. ورد بأن صلاحية المعنيين ثابتة له في نفس الأمر أيضا مع وجودها إذا قطع النظر عنها، فلا معنى لاشتراط عدمها في هذه الصلاحية. ثم الظاهر أن خلو الكلام المشتمل على ذكر اللفظ المستعار منه عن ذكر المستعار له معه مصحح لصلاحية المستعار لأن يراد به المعنى المجازى، إذ لو اشتمل على ذكره أيضا لتعين المعنى الحقيقي كما أرشدت إليه، فلا يكون صالحا للمعنى المجازى وأن عدم قرينة المجاز مصحح لصلاح أن يراد به معناه الأصلي، إذ مع وجودها يتعين المعنى المجازى فلا يكون صالحا للمعنى الحقيقي، فالخلو المذكور شرط لصلاح إرادة المعنى المنقول إليه، وعدم تلك القرينة شرط لصلوح إرادة المعنى المنقول عنه، فيكون المجموع متعلقا لصلاحية المعنيين على التوزيع، ولو قدم ذكر المنقول إليه لا تصل كل شرط بما هو معتبر فيه وكان أولى.
هذا، وقد يقال كون الكلام مع القرينة صلحا لإرادة المعنى المجازى مبنى على ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به حتى كأنه من أفراده، فيصلح له لفظه كما يصلح لأفراده الحقيقية، واشتراط نفى القرينة إنما هو لصلوح إرادة المعنى الحقيقي. ويزد عليه أنه يلزم أن لا يكون للخلو عن ذكر المستعار له مدخل في الصلاحية المذكورة إلا أن يجعل عبارة عن ذلك الادعاء، ولا خفاء في بعده عن الأفهام جدا (قوله كقول زهير) هذا مما يدل عليه فحوى الكلام وهو شاكي السلاح: أي حديده، من الشوكة وهى شدة البأس وحدة السلاح وأصله شائك فقلبت العين إلى موضع اللام، وقد تحذف ويقال زيد شاك السلاح برفع الكاف (والمقذف) هو المكتنز اللحم كأنه قذف باللحم أو الذي رمى به كثيرا في الوقائع (واللبد) جمع لبدة وهى ما يلبد من الشعر على رقبة الأسد وتقليم الأظفار كناية عن الضعف، يقال فلان مقاوم الأظفار: أي ضعيف (ومن ثم) أي ومن أجل أن بناء الاستعارة على طي ذكر المستعار له (ترى المفلقين) أي الاتين بالعجائب من الفلق وهو الأمر العجيب (يتناسون) في الاستعارة (التشبيه) ويسوقون الكلام فيها مساقه إذا أريد بالمستعار معناه الحقيقي لا معناه المجازى المشبه بالحقيقى، فإنه إذا طوى ذكره بالكلية ظهر أمر التناسي، بخلاف ما إذا كان مذكورا في الجملة فإنه مذكور للتشبيه، على أنهم قد يتناسون أيضا مع التصريح بذكر طرفيه كقوله:
هي الشمس مسكنها في السماء * فعز الفؤاد عزاء جميلا فلن تستطيع إليها الصعود * ولن تستطيع إليك النزولا لما أخبر عنها بأنها الشمس جعلها كأنها عينها، فلو ذكر أداة التشبيه أو وجهه لم يحسن منه هذا التناسي كما لا يخفى
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»