الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٣٦
المتقين لبعد الحمل على المشارفة في المعطوف، وإذا اتحد الموصولان ذاتا فإن جعل الموصول الأول استئنافا وجب أن يعطف الثاني عليه، وإن جعل صفة أو مدحا كان ذلك أولى إلا أن الكشف قدتم بالمعطوف عليه فليتأمل (قوله واشتمال الإيمان على الجميع سالفه ومترقبه واجب) لم يرد أن الإيمان بتفاصيل المترقب واجب حال كونه مترقبا، فإن ذلك إنما يكون عند نزوله وتحققه، بل أراد وجوب الإيمان بأن كل ما سينزل فهو حق، ولا خفاء في أنهم إذا وصفوا بالإيمان بما يجب أن يؤمن به وجب أن يشار إلى اشتمال إيمانهم على كله (قوله المراد المنزل كله) وذلك لأنه المطابق لمقتضى الحال، ولما تبين في السؤال وهو المناسب لما سيأتي من ترتيب الهدى الكامل والفلاح الشامل، ويؤيده أيضا أن ما أنزل إليك قوبل بما أنزل من قبلك، وإنما يقابل مجموع ما أنزل إليه لا بعضه، وكذا قوله تعالى - يؤمنون - فإنه بدلالته على الاستمرار يدل على عدم الاقتصار على ما تحقق نزوله في الماضي كأنه قال: يجددون الإيمان شيئا فشيئا على حسب تجدد الإنزال. وأما التعبير عن الماضي والمترقب بصيغة الماضي فله وجهان: أحدهما تغليب ما وجد نزوله على مالم يوجد. الثاني تشبيه مجموع المنزل بما نزل في تحقق النزول، وذلك لأن بعضه نازل وبعضه منتظر سينزل قطعا. وقد أورد على الوجهين لزوم الجميع بين الحقيقة والمجاز إذ ليس هناك معنى ثالث يعمهما معا حتى يعد من عموم المجاز. وأجيب بأن الجمع إنما يلزم إذا كان كل واحد منهما مرادا باللفظ وههنا أريد به معنى واحد تركب من المعنى الحقيقي والمجازى، ولم يستعمل اللفظ في واحد منهما بل في المجموع مجازا، ولا يلزم جريان ذلك في جميع المعاني الحقيقية والمجازية لجواز أن لا يكون هناك ارتباط يجعلهما معنى واحدا عرفا يقصد إليه بإرادة واحدة في استعمالات الألفاظ (قوله ويدل عليه) أي على ما ذكر من الوجهين فإن المراد بقوله كتابا هو المجموع لأنه المتبادر عند الإطلاق خصوصا إذا قيد بكونه منزلا من بعد كتاب موسى لا بعضه. ولا القدر المشترك بينه وبين كله، وقد عبر عن إنزاله بلفظ الماضي مع أن بعضه كان حينئذ مترقبا فوجب أن يؤول بأحد التأويلين. وأما قوله سمعنا فالظاهر فيه تغليب المسموع على ما لم يسمع في إيقاع السماع عليه. ولما ذكر أن المراد بما أنزل إليك هو المنزل كله وبين وجهه واستشهد في ذلك بما ورد في التنزيل مما هو أظهر منه في الحمل على الكل واستدعاء التأويل أورد له تفسيرا مما يتعارفه أهل اللغة ولا يشتبه على أحد تناوله للماضي والآتي معا، إلا أن حمله على التغليب أولى من حمله على التشبيه في التحقيق، هذا وقد اعترض على قوله أنا وأنت فعلنا فإن الضمير في
(١٣٦)
مفاتيح البحث: الوجوب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»